خير ، لو رفع ذلك الشرّ لبطل الخير الذي في ضمنه ، وحصل ببطلانه شر أعظم من الشرّ الذي يتضمّنه. فالخير مراد لذاته ، والشرّ مراد لغيره ؛ والمراد لذاته قبل المراد لغيره ، ولهذا قال تعالى (١) : «سبقت رحمتي غضبي».
فغضبه إرادته للشرّ بالعرض ، ورحمته إرادته للخير بالذات ؛ فالآن إن خطر لك نوع من الشرّ لا ترى تحته خيرا ، أو خطر لك أنّه كان تحصيل ذلك الخير ممكنا ـ لا في ضمن الشرّ ـ فاتّهم عقلك القاصر في أحد الخاطرين :
إمّا في قولك : «إنّ هذا الشرّ لا خير تحته» ؛ فإنّ هذا ممّا تقصر العقول عن معرفته ، ولعلّك فيه مثل الصبيّ الذي يرى الحجامة شرّا محضا ، أو مثل الغبيّ الذي يرى القصاص شرّا محضا ، لأنّه ينظر إلى خصوص شخص المقتول ويراه في حقّه شرّا محضا ، ويذهل عن الخير العامّ الحاصل للناس كافّة ، ولا يدرى أنّ التوسّل بالشرّ الخاصّ إلى الخير العامّ خير محض لا ينبغي للخيّر أن يهمله.
أو اتّهم عقلك في الخاطر الثاني ، وهو قولك : «إنّ تحصيل ذلك لا في ضمن ذلك الشرّ ممكن» فإنّ هذا أيضا دقيق غامض ؛ فليس كلّ ممكن ومحال ممّا يدرك استحالته وإمكانه بالبديهة ، ولا بالنظر القريب ، بل ربما عرف بنظر دقيق غامض يقصر عنه الأكثرون.
فاتّهم عقلك في هذين الخاطرين ، ولا تشكّن أصلا في أنه أرحم الراحمين ، وأنّه «سبقت رحمته غضبه».
__________________
(١) ـ راجع ما مضى في الصفحة : ٨٣.