وحظّه من اسم «الرحيم» أن لا يدع فاقة لمحتاج إلّا يسدّها بقدر طاقته ، ولا يترك فقيرا في جواره إلّا ويقوم بتعهّده ورفع فقره ، إمّا بماله أو جاهه أو السعي في حقّه بالشفاعة إلى غيره ، فإن عجز عن جميع ذلك فيعينه بالدعاء له وإظهار الحزن بسبب حاجته ، رقّة عليه وعطفا ، حتّى كأنّه مساهم له في ضرره وحاجته.
سؤال وجواب :
لعلّك تقول : ما معنى كونه تعالى رحيما ، وكونه أرحم الراحمين؟ والرحيم لا يرى مبتلى ومضرورا ومعدما ومريضا ـ وهو يقدر على إماطة ما بهم ـ إلّا ويبادر إلى إماطته ؛ والربّ ـ تعالى ـ قادر على كفاية كلّ بليّة ، ودفع كلّ فقر ، وإماطة كلّ مرض ، وإزالة كلّ ضرر ، والدنيا طافحة (١) بالأمراض والمحن والبلايا ، وهو قادر على إزالة جميعها ، وتارك عباده ممتحنين بالرزايا والمحن؟
فجوابك : أنّ الطفل الصغير قد ترقّ له أمّه فتمنعه من الحجامة ، والأب العاقل يحمله عليها قهرا ، والجاهل يظنّ أنّ الرحيم هي الامّ ـ دون الأب ـ والعاقل يعلم أنّ إيلام الأب إيّاه بالحجامة من كمال رحمته وعطفه وتمام شفقته ، وأنّ الامّ له عدوّ في صورة صديق ؛ وأنّ الألم القليل إذا كان سببا للّذة الكثيرة لم يكن شرّا ـ بل كان خيرا ـ والرحيم يريد الخير للمرحوم لا محالة ، وليس في الوجود شر إلّا وفي ضمنه
__________________
(١) ـ على هامش النسخة : طفح الإناء ـ كمنع ـ طفحا ، وطفوحا : امتلأ.