الوقفة الأخيرة :
وأخيراً ونحن نحط رحالنا وأزوادنا في فناء محطتنا الأخيرة ، بعد هذا الاستطراق المتعجِّل والمتلاحق الخطا في تبيان جملة من الشوارد السانحة في مفهوم الأمامة الذي لا يزال البعض يصمه ضجيج مكاء وتصدية مبتغي بعثرة وحدة المسلمين عن ادراك حقيقتها بالشكل الذي تقول به الشِّيعة ، فانحاز عن عدم تدبُّر في خانة من كانوا ولا زالوا يعملون حرابهم في جسد وبنيان هذا الدين الواحد ، والمجتمع الواحد.
بلى وما أقوله ينبعث من صميم القلب لا شغافه ، وصدقاً ، لا رياءً ومخاتلة وخداعاً : إنَّ الرباط المقدَّس الذي يجمعنا كمسلمين أعظم وأقوى من أنْ يعتريه الذبول أو يتخلله الوهن ، وذلك ما ينبغي أنْ لا يغرب عن الجميع ، أو يتناساه أحد. فرباط الأُخوَّة الاسلامية الذي أمرنا الله تعالى أنْ نعتصم به ـ إذ قال جلَّ اسمه : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذكُروا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم إذْ كننتُمْ أعداءً فَألَّفَ بَينَ قُلُوبكًمْ فَأصبَحتُمْ بنِعْمَتِهِ إخواناً وَكُنتُمْ على شَفَا حُفرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأنْقَذَكُمْ مِنها كَذَلِكَ يبَيِّنُ اللهُ لَكُم آياتِهِ لَعَلَّكمْ تَهتَدونَ ) (١) ـ حتم لا يسع مسلم الاعراض عنه قطعاً ، ولا تجاهله في آن ما ، لأنّا ندرك جميعاً أنَّ علة ما نعاينه من مصائب أحاطت بالمسلمين في بقاع شتى من هذه المعمورة يكمن في استرخائهم أمام حالة التبعثر والتمزُّق والتكفير التي تعمل على تأجيجها سرائر بغيضة تتبرقَّع بشعارات ممجوجة تحاول جاهدة التمويه على بصماتها المشخَّصة البادية على جسد هذه الأُمَّة النازفة من طعناتهم المتلاحقة المعاندة.
__________________
(١) آل عمران ٣ : ١٠٤.