السَّلام أبا بكر ويأخذ منه السورة ويتولى هو تبيلغها نيابة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ... فكان كما أراد الله تعالى ، وعاد أبو بكر ـ متوجِّساً باكياً ـ إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال له : يا رسول الله ، أحدث فيَّ شيء؟
فاجابه صلىاللهعليهوآله : لا ، ولكن اُمرتُ أنْ لا يُبلِّغ عني إلّا أنا أو رجل منِّي (١).
كذا تتفق المصادر المتعددة في ايرادها تفاصيل هذه الواقعة الشهيرة ، وهي بلا شك دليل واضح على أنْ لا مُبلِّغ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله غير علي عليهالسلام ، باستقراء الأدلة السالفة ، بيد أنَّ في هذه الواقعة محطات كثيرة للتوقف والتأمُّل والمراجعة ...
فقول رسول الله صلىاللهعليهوآله لأبي بكر ( اُمرتُ ) يدل دلالة قطعية على أنَّ مصدر هذا الأمر هو الله تبارك وتعالى ، وذلك لا خلاف فيه ، حيث كان أمر التنحية والتنصيب أمراً الهياً محضاً أراد منه الله جل اسمه أنْ يبيِّن فيه للأمَّة مَنْ يُبلِّغ عن رسوله أحكام السماء وشرائعها ، وأنَّه هو الممثِّل الحق لرسوله صلىاللهعليهوآله دون غيره من الصحابة والمسلمين ، وكذا هي مشيئة السماء.
ثم لِمَ تُرك أبو بكر هذه الأيام الثلاثة بطولها قاطعاً الفيافي والوديان ، متحمِّلاً وعثاء السفر ومشقة الطريق ، طالما أنَّ مشيئة السماء أنْ لا يُبلِّغ عن رسول الله صلىاللهعليهوآله إلا علي عليهالسلام ، هل كان الأمر يتطلَّب تفكيراً وتدبراً من السماء ، أم أنَّ هناك تأخيراً في التبليغ والابلاغ؟ كلا وألف
__________________
(١) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦|٣٧١٩ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٢ ، مسند أحمد ١ : ٣ ، ٣٣١ ، ٣ : ٢١٢ ، ٢٨٣ و ٤ : ١٦٤ ، ١٦٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ١١٩ ، تفسير الطبري ١٠ : ٤٦ ، البداية والنهاية ٧ : ٣٥٠ ، الخصائص للنسائي : ٨ ، الفصول المهمة : ٤٠ ، الصواعق المحرقة : ١٨٨.