فلتة ( أو فتنة ) وقى الله المسلمين شرها (١) ـ فلم اختار من بعده عمر ، بل ولِمَ جعلها عمر في ستة؟
إنَّ في ذلك نفي قاطع لوجود منهج مرسوم من قبل رسول الله صلىاللهعليهوآله في اختيار خليفته ، وإلا لكان الجميع مخالفين قطعاً له كما هو معلوم.
واما ما يذهب اليه البعض من أنَّ تعيين الأمام أو الوصي يتم بواسطة مبدأ الشورى الذي يشير اليها قوله تعالىِ : ( وَأمرهم شُورى بَينهم ) (٢) وقوله تبارك وتعالى ( وَشاوِرهُم بِالأمْر ) (٣) فإن قولهم هذا لا ينهض كحجة شرعية يُعتد بها في نفي النص واعتماد الشورى ، لأنَّ المشاورة هنا لا يُراد بها قطعاً مسألة الخلافة ، حيث يُعد ضرباً من المحال اتفاق آراء الأُمَّة على فرد معيَّن ، وفيها الجاهل والمنافق والمناوئ وغيرهمِ.
كما لا عبرة بما يُقال من حصر الاُمَّة بثلة محددة تتشاور في هذا الأمر ، لأنَّ هذا الحصر ينفي استقراء جميع آراء هذه الأمة ، مع ما فيه من المداخلات التي قد تخرج بالأمر عن مساره السليم.
نعم فهل فاتك كيف رست سفينة الشورى التي أمر بها الخليفة عمر ابن الخطاب بعد أنْ طُعن ، وفيها كما يعرف الجميع وجوه الصحابة وأعيانهم ، فدارت دوران الرحى على عثمان ، بعد أنْ فقدت أي مصداقية شرعية لها في القطع بصحة الاختيار لخضوع البعض منهم لهوى النفس ، ومحاباة ذلك
__________________
(١) صحيح البخاري ٨ : ٢٠٨ ( كتاب المحاربين ، باب رجم الحبلى من الزنا اذا احصنت ) ، تاريخ الطبري ٣ : ٢٠٥ ، الكامل في التاريخ ٢ : ٣٢٧ ، تاريخ الخلفاء : ٥١ ، الرياض النضرة ١ : ٢٣٧ ، الصواعق المحرقة : ١٨ ، النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٦٧ ، البداية والنهاية ٥ : ٢٤٥.
(٢) الشورى ٤٢ : ٣٨.
(٣) آل عمران ٣ : ١٥٩.