الأمر خلاف العقل والمنطق ، ولا يذهب اليه أحد ، فتأمَّل واستقرء ما غبر من الدهور ، بل وما نعاينه في أيامنا هذه ، فهل تجد إلّا ما قلناه؟.
ثم اذا كان ذلك في شؤون الامارات والممالك والدول ، فكيف لو تعلَّق الأمر بالأديان السماوية ، بل وبآخرها وأعظمها ، وباوسعها نظاماً وتشريعاً؟! وحيث يتعلَّق الأمر بالخالق تبارك وتعالى ، وبرسوله الكريم صلىاللهعليهوآله ، الذي ما اُرسل إلا رحمة للعالمين ... فهل يريد من يخالف ذلك أنْ ينسب التفريط بهذا الأمر الذي لم يفرِّط به ملوك الدنيا وحكامها إلى الله تبارك وتعالى ، وذلك لا يذهب اليه أحد إلّا من كان أعمى القلب معدوم البصيرة ، أو الى رسوله الكريم صلىاللهعليهوآله ، وذلك ليس بمعهود منه ، حيث تحدِّثنا جميع المراجع التاريخية المختلفة أنَّه لم يغادر المدينة يوماً إلا واستناب فيها من يخلفه (١) يلحق بذلك ايضاً وصاياه
__________________
(١) بلى إنَّ المراجعة البسيطة لسيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله في استخلاف مَنْ ينوب عنه حين تركه لعاصمة الدولة الاسلامية ، حتى ولو قصر مدى السفر وقلت أيامه ـ كما فيِ غزوة اُحد التي لم تبعد عن المدينة إلّا ميلاً واحداً ، ولم يستغرق بعده عنها إلّا يوماً واحداً فقط ، بل وفي غزوة الخندق التي كانت في المدينة عينها ـ تدل دلالة واضحة على استحالة وقوع التفريط منه في ترك هذه الأُمَّة دون راعي أو خليفة ينوب عنه ، لاسيما ونحن نعلم أنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يفاجأ بموته كما معروف لدى الجميع ، وأنه صلىاللهعليهوآله يدرك بوضوح ما يحيط اُمّته من المخاطر الجسيمة التي تتحين بها الفرص والغفلات؟!
نعم ، فإنّا عندما نتأمّل ذلك نجد أنَّ افتراض عدم الاستخلاف من قِبَل رسول الله صلىاللهعليهوآله خلاف ما عُهد من سيرته المباركة ـ مضافاً إلى خلافه الصريح مع المنطق والعقل ـ وذلك ما يتبيّن عند المراجعة البسيطة لكتب السيرة والتاريخ المختلفة :
١ ـ فعندما اُذن له صلىاللهعليهوآله بقتال المشركين في السنة الثانية من الهجرة ، وخرج مع جماعة من المسلمين للتعرض لعير قريش ، استخلف على المدينة سعد بن عبادة خليفة عنه.
٢ ـ وفي تلك السنة ايضاً ، وعند خروجه صلىاللهعليهوآله في غزوة بواط ، استخلف عنه سعد بن معاذ.