وسمعته يقول : كنت أستغلّ كلّ شهر خمسمائة درهم ، فأنفقت كلّ ذلك في طلب العلم.
فقلت : كم بين مثل من ينفق على هذا الوجه ، وبين من كان خلوا من المال ، فجمع وكسب بالعلم (١)؟
وكنّا بفربر ، وكان أبو عبد الله يبني رباطا ممّا يلي بخارى. فاجتمع بشر كثير يعينونه على ذلك. وكان ينقل اللّبن ، فكنت أقول : إنّك تكفى. فيقول :
هذا الّذي ينفعنا.
ثم أخذنا ننقل الزّنبرات معه ، وكان ذبح لهم بقرة ، فلمّا أدركت القدور دعا النّاس إلى الطّعام ، وكان بها مائة نفس أو أكثر ، ولم يكن علم أنّه اجتمع ما اجتمع. وكنّا أخرجنا معه من فربر خبزا بثلاثة دراهم أو أقلّ ، فألقينا بين أيديهم ، فأكل جميع من حضر ، وفضلت أرغفة صالحة. وكان الخبز إذ ذاك خمسة أمناء (٢) بدرهم (٣).
وقال لي مرة : أحتاج في السّنة إلى أربعة آلاف أو خمسة آلاف درهم.
وكان يتصدّق بالكثير. يناول الفقير من أصحاب الحديث ما بين العشرين إلى الثّلاثين ، وأقلّ وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد. وكان لا يفارقه كيسه.
ورأيته بأول رجلا صرّة فيها ثلاثمائة درهم. وكنت اشتريت منزلا بتسعمائة وعشرين درهما. فقال لي : ينبغي أن تصير إلى نوح الصّيرفيّ وتأخذ منه ألف درهم وتحضرها. ففعلت ، فقال : خذها فأصرفها في ثمن البيت.
فقلت : قد قبلت منك. وشكرته. وأقبلنا على الكتابة.
وكنّا في تصنيف «الجامع». فلمّا كان بعد ساعة ، قلت : عرضت لي حاجة لا أجترئ رفعها إليك.
فظنّ أنّي طمعت في الزّيادة ، فقال : لا تحتشمني وأخبرني بما تحتاج فإنّي أخاف أن أكون مأخوذا بسببك.
قلت له : كيف؟
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٤٩.
(٢) أمناء : جمع منّ ، وهو وزن أو مكيال.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٠.