وأخرجه أبو نعيم كذلك ، وأخرجه ابن قانع قبلهما ، لكنه لم يقل صاحب الإسكندريّة ، وساق الحديث من طريق الحسين بن الحسن.
وقد أنكر ابن الأثير ذكره ، فقال : لا مدخل له في الصّحابة ، فإنه لم يسلم وما زال نصرانيّا ، ومنه فتح المسلمون مصر في خلافة عمر ، فلا وجه لذكره ، ولهما أمثال هذا.
قلت : لو لا قول ابن مندة صاحب الإسكندرية لاحتمل أن يكون ظنّه غيره كما هو ظاهر صنيع ابن قانع ، وإن كان لم يصب بذكره في الصّحابة ، وإهداء المقوقس إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقبوله هديته مشهور عند أهل السّير والفتوح ، قال أبو القاسم ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» : حدّثنا هشام بن إسحاق وغيره ، قالوا : لما كانت سنة ستّ من مهاجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ورجع من الحديبيّة بعث إلى الملوك ، فبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس. فلما انتهى إلى الإسكندريّة وجده في مجلس مشرف على البحر ، فركب البحر ، فلما حاذى مجلسه أشار بالكتاب بين إصبعيه ، فلما رآه أمر به ، فأوصل إليه ، فلما قرأه قال : ما منعه إن كان نبيّا أن يدعو عليّ فيسلّط علي ، فقال له حاطب : ما منع عيسى أن يدعو على من أراده بالسّوء؟ قال : فوجم لها. ثم قال له : أعد ، فأعاد ، ثم قال له حاطب : إنه كان قبلك رجل زعم أنه الرّبّ الأعلى ، فانتقم الله منه ، فاعتبر به ، وإن لك دينا لن تدعه إلا إلى دين هو خير منه وهو الإسلام ، وما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارته بمحمد ، ولسنا ننهاك عن دين عيسى ، بل نأمرك به ، فقرأ الكتاب فإذا فيه : «من محمّد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط : سلام على من اتّبع الهدى ...
فذكر مثل الكتاب إلى هرقل. فلما فرغ أخذه فجعله في حقّ من عاج ، وختم عليه.
ثم ساق من طريق أبان بن صالح ، قال : أرسل المقوقس إلى حاطب ، فقال : أسألك عن ثلاث. فقال : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال : إلام يدعو محمد؟ قلت : إلى أن يعبد الله وحده ، ويأمر بالصّلاة خمس صلوات في اليوم والليلة ، ويأمر بصيام رمضان ، وحجّ البيت ، والوفاء بالعهد ، وينهي عن أكل الميتة والدّم ... إلى أن قال : صفه لي. قال : فوصفته ، فأوجزت. قال : قد بقيت أشياء لم تذكرها في عينيه حمرة قلّما تفارقه ، وبين كتفيه خاتم النبوّة ، يركب الحمار ، ويلبس الشّملة ، ويجتزئ بالتمرات والكسر ، ولا يبالي من لاقي من عم ولا ابن عمّ؟ قال : هذه صفته ، وقد كنت أظن أن مخرجه بالشّام ، وهناك كانت تخرج الأنبياء من قبله ، فأراه قد خرج في أرض العرب في أرض جهد وبؤس ، والقبط لا تطاوعني في اتباعه ، وسيظهر على البلاد ، وينزل أصحابه من بعده بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما هاهنا ، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفا ، ولا أحبّ أن يعلم بمحادثتي إيّاك أحد.