نفسي أنها النخلة ، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان ، فكرهت أن أتكلم ، فلما لم يقولوا شيئا ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هي النخلة» ، فلما قمنا قلت لعمر : يا أبتاه ، والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة. قال : ما منعك أن تتكلم؟ قلت : لم أركم تتكلمون ، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا ، قال عمر : لأن تكون قلتها أحب إليّ من كذا وكذا.
وقال أحمد (١) : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : صحبت ابن عمر إلى المدينة فلم أسمعه يحدث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا حديثا واحدا قال : كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأتي بجمار ، فقال : «من الشجر شجرة مثلها مثل الرجل المسلم» فأردت أن أقول هي النخلة ، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هي النخلة» (٢) ، أخرجاه. وقال مالك وعبد العزيز عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما لأصحابه : «إن من الشجر شجرة لا يطرح ورقها مثل المؤمن». قال : فوقع في شجر الوادي ، ووقع في قلبي أنها النخلة ، فاستحييت حتى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «هي النخلة» (٣) ، أخرجاه أيضا.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبان يعني ابن زيد العطار ، حدثنا قتادة أن رجلا قال : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالأجور ، فقال : «أرأيت لو عمد إلى متاع الدنيا فركب بعضه على بعض أكان يبلغ السماء ، أفلا أخبرك بعمل أصله في الأرض وفرعه في السماء؟» قال : ما هو يا رسول الله؟ قال : «تقول لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، عشر مرات في دبر كل صلاة ، فذاك أصله في الأرض وفرعه في السماء». وعن ابن عباس (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) قال : هي شجرة في الجنة (٤). وقوله : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) قيل : غدوة وعشيا ، وقيل : كل شهر. وقيل : كل شهرين. وقيل : كل ستة أشهر. وقيل : كل سبعة أشهر. وقيل : كل سنة ، والظاهر من السياق أن المؤمن مثله كمثل شجرة لا يزال يوجد منها ثمر في كل وقت من صيف أو شتاء أو ليل أو نهار ، كذلك المؤمن لا يزال يرفع له عمل صالح آناء الليل وأطراف النهار في كل وقت وحين (بِإِذْنِ رَبِّها) أي كاملا حسنا كثيرا طيبا مباركا (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [إبراهيم : ٢٥].
وقوله تعالى : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) هذا مثل كفر الكافر لا أصل له ولا ثبات ، مشبه بشجرة الحنظل ، ويقال لها الشريان ، رواه شعبة عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك : أنها شجرة الحنظل وقال أبو بكر البزار الحافظ : حدثنا يحيى بن محمد
__________________
(١) المسند ٢ / ١٢.
(٢) أخرجه البخاري في العلم باب ١٤ ، ومسلم في المنافقين حديث ٦١ ، ٦٢.
(٣) أخرجه البخاري في العلم باب ٤ ، ٥ ، ٥٠ ، وتفسير سورة ١٤ ، باب ١ ، ومسلم في المنافقين حديث ٦١ ، ٦٢ ، ٦٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٢٣.
(٤) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٤٠.