قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير القرآن العظيم [ ج ٤ ]

344/541
*

لما اتهمهم أولئك الفتيان بالسرقة ، قال لهم إخوة يوسف (تَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) أي لقد تحققتم وعلمتم منذ عرفتمونا ، لأنهم شاهدوا منهم سيرة حسنة أنا (ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ) أي ليست سجايانا تقتضي هذه الصفة ، فقال لهم الفتيان (فَما جَزاؤُهُ) أي السارق إن كان فيكم (إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) أي : أي شيء يكون عقوبته إن وجدنا فيكم من أخذه؟ (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) وهكذا كانت شريعة إبراهيم عليه‌السلام ، أن السارق يدفع إلى المسروق منه ، وهذا هو الذي أراد يوسف عليه‌السلام ، ولهذا بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ، أي فتشها قبله تورية ، (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ) فأخذه منهم بحكم اعترافهم والتزامهم ، وإلزاما لهم بما يعتقدونه ، ولهذا قال تعالى : (كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) وهذا من الكيد المحبوب المراد الذي يحبه الله ويرضاه ، لما فيه من الحكمة والمصلحة المطلوبة.

وقوله : (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) أي لم يكن له أخذه في حكم ملك مصر قاله الضحاك وغيره ، وإنما قيض الله له أن التزم له إخوته بما التزموه ، وهو كان يعلم ذلك من شريعتهم ، ولهذا مدحه الله تعالى فقال : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) كما قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) [المجادلة : ١١] الآية.

(وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) قال الحسن البصري : ليس عالم إلا فوقه عالم حتى ينتهي إلى الله عزوجل ، وكذا روى عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، قال : كما عند ابن عباس فحدث بحديث عجيب ، فتعجب رجل فقال : الحمد لله (فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) ، فقال ابن عباس : بئس ما قلت : الله العليم فوق كل عالم ، وكذا روى سماك عن عكرمة ، عن ابن عباس (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) قال : يكون هذا أعلم من هذا ، وهذا أعلم من هذا ، والله فوق كل عالم ، وهكذا قال عكرمة ، وقال قتادة : وفوق كل ذي علم عليم ، حتى ينتهي العلم إلى الله ، منه بدئ ، وتعلمت العلماء ، وإليه يعود ، وفي قراءة عبد الله ، وفوق كل عالم عليم.

(قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) (٧٧)

وقال إخوة يوسف لما رأوا الصواع قد أخرج من متاع بنيامين (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) يتنصلون إلى العزيز من التشبه به ، ويذكرون أن هذا فعل كما فعل أخ له من قبل ، يعنون به يوسف عليه‌السلام. قال سعيد بن جبير ، عن قتادة : كان يوسف عليه‌السلام قد سرق صنما لجده أبي أمه فكسره ، وقال محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كان أول ما دخل على يوسف من البلاء فيما بلغني أن عمته ابنة إسحاق ، وكانت أكبر ولد