الله» (١) أخرجاه ، وعن عائشة رضي الله عنها : أن ناسا قالوا : يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ قال «سموا عليه أنتم وكلوا» قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر (٢) رواه البخاري.
ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها ، وخشوا أن لا تكون وجدت من أولئك لحداثة إسلامهم ، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل ، لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم تكن وجدت ، وأمرهم بإجراء أحكام المسلمين على السداد ، والله أعلم.
والمذهب الثاني في المسألة : أنه لا يشترط التسمية ، بل هي مستحبة ، فإن تركت عمدا أو نسيانا لا يضر ، وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمهالله ، وجميع أصحابه ، ورواية عن الإمام أحمد نقلها عنه حنبل. وهو رواية عن الإمام مالك ، ونص على ذلك أشهب بن عبد العزيز من أصحابه ، وحكي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء بن أبي رباح ، والله أعلم.
وحمل الشافعي الآية الكريمة (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) على ما ذبح لغير الله ، كقوله تعالى : (أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [الأنعام : ١٤٥].
وقال ابن جريج عن عطاء (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) قال : ينهى عن ذبائح كانت تذبحها قريش للأوثان ، وينهى عن ذبائح المجوس ، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي ، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل الواو في قوله (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) حالية ، أي : (لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) في حال كونه فسقا ، ولا يكون فسقا حتى يكون قد أهل به لغير الله. ثم ادعى أن هذا متعين ولا يجوز أن تكون الواو عاطفة ، لأنه يلزم منه عطف جملة اسمية خبرية على جملة فعلية طلبية وهذا ينتقض عليه بقوله (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ) فإنها عاطفة لا محالة ، فإن كانت الواو التي ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال ، امتنع عطف هذه عليها فإن عطفت على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره ، وإن لم تكن الواو حالية بطل ما قال من أصله ، والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، أنبأنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في الآية (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) قال : هي الميتة.
ثم رواه عن أبي زرعة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن لهيعة ، عن عطاء وهو ابن السائب به ، وقد استدل لهذا المذهب ، بما رواه أبو داود في المراسيل : من حديث ثور بن يزيد ، عن الصلت السدوسي مولى سويد بن منجوف ، أحد التابعين الذين ذكرهم أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر ، إنه إن
__________________
(١) صحيح البخاري (أضاحي باب ١٢ وذبائح باب ١٢ و١٧) وصحيح مسلم (أضاحي ١ ـ ٣)
(٢) صحيح البخاري (ذبائح باب ١)