قلت : فهل في العهود من حد تعلمه؟ قال : لا ، قال قلت : فترى حقا على الإمام أن يعاقبه؟ قال : لا ، هو ذنب أذنبه فيما بينه وبين الله عزوجل ، ولكن يفتدي» رواه ابن جرير (١). وقيل : معناه فينتقم الله منه بالكفارة ، قاله سعيد بن جبير وعطاء ، ثم الجمهور من السلف والخلف على أنه متى قتل المحرم الصيد وجب الجزاء ، ولا فرق بين الأولى والثانية والثالثة ، وإن تكرر ما تكرر سواء الخطأ في ذلك والعمد.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال : من قتل شيئا من الصيد خطأ وهو محرم ، يحكم عليه فيه كلما قتله ، فإن قتله عمدا يحكم عليه فيه مرة واحدة ، فإن عاد يقال له : ينتقم الله منك ، كما قال الله عزوجل. وقال ابن جرير (٢) : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا يحيى بن سعيد وابن أبي عدي ، جميعا عن هشام هو ابن حسان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، فيمن أصاب صيدا يحكم عليه ثم عاد قال : لا يحكم عليه ، ينتقم الله منه. وهكذا قال شريح ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي ، رواهن ابن جرير ، ثم اختار القول الأول.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا العباس بن يزيد العبدي ، حدثنا المعتمر بن سليمان عن زيد بن أبي المعلى ، عن الحسن البصري أن رجلا أصاب صيدا فتجوز عنه ، ثم عاد فأصاب صيدا آخر ، فنزلت نار من السماء فأحرقته ، فهو قوله (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ).
وقال ابن جرير (٣) في قوله (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) يقول ، عز ذكره : والله منيع في سلطانه ، لا يقهره قاهر ولا يمنعه من الانتقام ممن انتقم منه ، ولا من عقوبة من أراد عقوبته مانع ، لأن الخلق خلقه ، والأمر أمره ، له العزة والمنعة. وقوله (ذُو انْتِقامٍ) يعني أنه ذو معاقبة لمن عصاه على معصيته إياه.
(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) (٩٩)
قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس في رواية عنه ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير وغيرهم ، في قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ) يعني ما يصطاد منه طريا (وَطَعامُهُ) ما يتزود منه مليحا يابسا ، وقال ابن عباس في الرواية المشهورة عنه : صيده ما أخذ منه حيا
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٥٩ ـ ٦٠.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٦٢.
(٣) تفسير الطبري ٥ / ٦٤.