بعض أحكام التوراة. وقوله تعالى : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي وجعلنا الإنجيل هدى يهتدى به ، وموعظة أي زاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم ، للمتقين ، أي لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه.
وقوله تعالى : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ) قرئ وليحكم أهل الإنجيل بالنصب على أن اللام لام كي ، أي وآتيناه الإنجيل ليحكم أهل ملته به في زمانهم ، وقرئ وليحكم بالجزم على أن اللام لام الأمر ، أي ليؤمنوا بجميع ما فيه ، وليقيموا ما أمروا به فيه ، ومما فيه البشارة ببعثة محمد والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد ، كما قال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [المائدة : ٦٨] الآية ، وقال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ) إلى قوله (الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف : ١٥٧]. ولهذا قال هاهنا (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي الخارجون عن طاعة ربهم ، المائلون إلى الباطل ، التاركون للحق ، وقد تقدم أن هذه الآية نزلت في النصارى ، وهو ظاهر من السياق.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٥٠)
لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها على موسى كليمه ، ومدحها وأثنى عليها وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الاتباع وذكر الإنجيل ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع ما فيه ، كما تقدم بيانه ، شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم ، فقال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ) أي بالصدق الذي لا ريب فيه أنه من عند الله (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) أي من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه ، وأنه سينزل من عند الله على عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، فكان نزوله كما أخبرت به ، مما زادها صدقا عند حامليها من ذوي البصائر الذين انقادوا لأمر الله ، واتبعوا شرائع الله ، وصدقوا رسل الله ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الإسراء : ١٠٧] أي إن كان ما وعدنا الله على ألسنة رسله المتقدمة من مجيء محمد عليهالسلام لمفعولا ، أي لكائنا لا محالة ولا بد.
قوله تعالى : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) قال سفيان الثوري وغيره ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ،