في ذلك ، فتكون طيرا بإذني أي فتنفخ في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك فتكون طيرا ذا روح تطير بإذن الله وخلقه.
وقوله تعالى : (وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي) قد تقدم الكلام عليه في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته. وقوله (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) أي تدعوهم فيقومون من قبورهم بإذن الله وقدرته وإرادته ومشيئته ، وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن طلحة يعني ابن مصرف ، عن أبي بشر ، عن أبي الهذيل ، قال : كان عيسى ابن مريم عليهالسلام إذا أراد أن يحيي الموتى صلّى ركعتين ، يقرأ في الأولى (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١] ، وفي الثانية (الم تَنْزِيلُ) [السجدة : ١] السجدة ، فإذا فرغ منهما مدح الله وأثنى عليه ، ثم دعا بسبعة أسماء : يا قديم ، يا خفي ، يا دائم ، يا فرد ، يا وتر ، يا أحد ، يا صمد ، وكان إذا أصابته شديدة دعا بسبعة أخر : يا حي ، يا قيوم ، يا الله ، يا رحمن ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا نور السموات والأرض وما بينهما ، ورب العرش العظيم ، يا رب ، وهذا أثر عجيب جدا.
وقوله تعالى : (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي واذكر نعمتي عليك في كفي إياهم عنك حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوتك ورسالتك من الله إليهم ، فكذبوك واتهموك بأنك ساحر ، وسعوا في قتلك وصلبك فنجيتك منهم ، ورفعتك إلي ، وطهرتك من دنسهم ، وكفيتك شرهم ، وهذا يدل على أن هذا الامتنان كان من الله إليه بعد رفعه إلى السماء الدنيا ، أو يكون هذا الامتنان واقعا يوم القيامة ، وعبر عنه بصيغة الماضي دلالة على وقوعه لا محالة ، وهذا من أسرار الغيوب التي أطلع الله عليها نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم.
وقوله (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) وهذا أيضا من الامتنان عليه ، عليهالسلام ، بأن جعل له أصحابا وأنصارا ، ثم قيل : إن المراد بهذا الوحي وحي إلهام ، كما قال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧] الآية ، وهو وحي إلهام بلا خلاف ، وكما قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً) [النحل : ٦٨] الآية ، وهكذا قال بعض السلف في هذه الآية (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) أي ألهموا ذلك ، فامتثلوا ما ألهموا. قال الحسن البصري : ألهمهم الله عزوجل ذلك. وقال السدي : قذف في قلوبهم ذلك (١) ، ويحتمل أن يكون المراد وإذ أوحيت إليهم بواسطتك فدعوتهم إلى الإيمان بالله وبرسوله واستجابوا لك وانقادوا وتابعوك ، فقالوا (آمَنَّا
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ١٢٩.