إلى مكة ، واشتاق إليها وذكر مولده ومولد أبيه. فنزل جبريل عليهالسلام وقال : تشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال عليهالسلام : نعم. فقال جبريل عليهالسلام : فإن الله تعالى يقول : إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد ، يعني إلى مكة ، ظاهرا عليهم. / ٢١ / وكقوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ) ـ أي أيها اليهود ـ (الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً) ـ أي ما عاشوا ـ (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة : ٩٤ ـ ٩٥] والمراد بالتمني بالقول ولا شك أنه ، عليه الصلاة والسلام ، ومع تقدمه في الرأي والحزم وحسن النظر في العاقبة ، كما هو المسلم عند المخالف والموافق ، والوصول إلى المنزل الذي وصل إليه في الدارين ، والوصول إلى الرئاسة العظيمة ، لا يجوز له ، وهو غير واثق من جهة الرب بالوحي ، أن يتحدى أعدى الأعداء بأمر لا يأمن عاقبة الحال فيه ولا يأمن من خصمه أن يقهره بالدليل والحجة ، لأن العاقل الذي لم يجرب الأمور لا يكاد يرضى بذلك ، فكيف الحال في أعقل العقلاء؟ فثبت أنه ما أقدم على هذا التحدي إلا بعد الوحي واعتماده التام. وكذا لا شك أنهم كانوا من أشد أعدائه ، وكانوا أحرص الناس في تكذيبه ، وكانوا متفكرين في الأمور التي بها ينمحي الإسلام أو يحصل الذلة لأهله ، وكان المطلوب منهم أمرا سهلا لا صعبا. فلو لم يكن النبيّ صلىاللهعليهوسلم صادقا في دعواه عندهم لبادروا إلى القول به لتكذيبه ، بل أعلنوا هذا التمني بالقول مرارا وشهروا أنه كاذب يفتري على الله أنه قال كذا ، ويدّعي من جانب نفسه ادعاء ، ويقول تارة : والذي نفسي بيده لا يقولها رجل منهم إلّا غصّ بريقه ، يعني مات مكانه ، ويقول تارة : لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ونحن تمنينا مرارا وما متنا مكاننا. فظهر ، بصرفهم عن تمنيهم مع كونهم على تكذيبه أحرص الناس ، معجزته وبانت حجته. وفي هذه الآية إخباران عن الغيب : الأول : أن قوله (لَنْ يَتَمَنَّوْهُ) يدل دلالة بينة على أن ذلك لا يقع في المستقبل من أحد منهم ، فيفيد عموم الأشخاص. والثاني : ان قوله (أَبَداً) يدل على أنه لا يوجد في شيء من الأزمنة الآتية في المستقبل ، فيفيد عموم الأوقات. فبالنظر إلى العمومين هما غيبان. / ٢٢ / وكقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٣ ـ ٢٤]. فأخبر بأنهم لا يفعلون البتة ، ووقع كما أخبر. وهذه الآية دالة على الإعجاز من وجوه أربعة : أولها : انّا نعلم بالتواتر أن العرب كانوا في غاية العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي غاية الحرص على إبطال أمره ، لأن مفارقة الأوطان والعشيرة وبذل النفوس والمهج من أقوى الأدلة على ذلك ، فإذا انضاف إليه مثل هذا التقريع ، وهو قوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) صار حرصهم أشد. فلو كانوا قادرين على الإتيان بمثل