ومفضول ، ليقوم الأمر والنّهى ، وتظهر الطّاعة والمعصية ، ويثبت الاستعباد ، ويقع الثّواب والعقاب على حسب ما يكون من أعمالهم باختيار لا باجبار ؛ وهذا أوجب فى حكمة الحكيم ورحمة الرّحيم من أن يكون سبيل البشر سبيل البهائم وسائر الحيوان.
(٣) وليس يخلو الأمر من إحدى ثلاث خلال (١) :
إمّا أن تقول : إنّ الحكيم (٢) ترك ما ادّعيت أنّه أولى به فى حكمته ورحمته وأنّه أعمّ نفعا لبرّيته وأحوط لهم ، فلم يفعله بهم وهو يقدر عليه ، فانّ الّذي تدّعيه من هذا الباب هو معدوم فى العالم ، وإنّه فعل بهم ما هو أعمّ ضررا وأقرب إلى هلاكهم على زعمك ؛ فيكون قد فعل ما لا توجبه (٣) الحكمة والرّحمة ؛ فانّا نراه قد فعل بهم هكذا من إحواج بعضهم إلى بعض.
أو تقول : أراد ذلك وأوجبه (٤) ، فلم يقدر عليه ؛ فتلزمه (٥) العجز.
أو تقول : إنّ الأولى بحكمته ورحمته ما قد فعله بهم ، على نحو ما ادّعيناه ؛ فترجع عن أصلك وتدع اعتقادك السّقيم (٦) ودعواك البشعة (٧) التى قد نقضتها على نفسك حين زعمت أنّك أدركت بفطنتك ودقة نظرك ما لم يدركه كثير من الفلاسفة القدماء ؛ وهم كانوا لك أئمّة ، وفى أصولهم نظرت وكتبهم درست وبها استدركت ما تدّعيه. فمرّة تزعم أنّه لا يجب أن يكون الناس أئمّة بعضهم لبعض ، وأنّه يجب أن يتساووا ، فلا يحوج (٨) بعضهم إلى بعض ؛ ثمّ تنتقض (٩) على نفسك كما قد أجزت أن تتفاوت (١٠) مراتب الفلاسفة حتّى يدرك بعضهم ما لا يدركه البعض ، وأن يكون بعضهم أئمّة لبعض ؛ كما اتّفقت عليه الفلاسفة أنّ أفلاطن الحكيم (١١) كان إماما لأرسطاطاليس وأنّ أرسطاطاليس كان تلميذا له ، وكما ادّعيت أنّهم قد نقصوا عن مرتبتك حين أدركت ما تدّعى
__________________
(١) ـ خلال : خصال B (٢) ـ ان الحكيم : ـ B (٣) ـ توجبه : يوجبه B (٤) ـ اوجبه : احبه A ، اجبه B (٥) فتلزمه : فلزمه B (٦) ـ السقيم : ـ AC ـ (٧) البشعة : الشنيعةBC ـ (٨) ـ يحوج : يخرج B (٩) ـ تنتقض : تنقض AC ـ (١٠) تتفاوت : يتفاوت ABC (١١) ـ الحكيم : ـ AB