نجد دهماء النّاس فى هذه الأقاليم التى نشاهدها ، وكافّة الأمم فى سائر الأقاليم والجزائر من أهل الألسنة المختلفة ، لا
يدرون ما الفلسفة ، ولا يعرفون كيفيّتها وحقيقتها ، فضلا عن النظر فيها ؛ إلا قليلا من النّاس من أهل اللّغة العربيّة أو اليونانيّة ، ولو عدوّا لسهل تعدادهم ؛ وسائر
الخلائق ، سبيلهم ما قد ذكرنا ، ونعتدّ فى ذلك بما نشاهده. فأين الفلسفة بلسان الفرس ، وبلغاتها
المختلفة فى بلدانها ؛ وهكذا سبيل
سائر الأمم. فأمّا النّساء والصّغار من النّاس الذين لم يبلغوا
الاستعباد ، والضّعفاء من البالغين فى جميع الأمصار والمدن فيما قرب وبعد ، فأنت
يائس منقطع الرّجاء أن يرتاضوا بالفلسفة ، أو تبلغها عقولهم ؛ لانّا لا نجد
فيلسوفات ولا ولدانا ولا ضعفاء من النّاس متفلسفين ؛ والموت يجرى عليهم.
(٢)
وحكم الامم التى فى أطراف الأرض من أصناف العجم مثل الدّيلم والتّرك
والزّنج والحبشة وسائر الاقاليم ، حكم من نشاهده. فان كان الحكيم الرحيم حرمهم ذلك
، ومنعهم تلك القوّة وبخل عليهم بتلك الآلة ، حتى عجزوا عن النّظر فى الفلسفة ، ثم
إذا ماتوا ، يعينهم على التّجبل فى هذا العالم والعود إليه على مذهب الملحد ،
انّهم يكرّون فيه أبدا حتى
ينظروا فى الفلسفة ، فتصفو أنفسهم ، فإنّ هذا ظلم غير جائز فى حكمة الحكيم ورحمة