ودفعوا البحث عن الأصول والنظر وشدّدوا فيه ونهوا عنه» فقد
ذكرنا فى صدر كتابنا ما فيه جواب قوله فى باب التّقليد والنّظر ؛ ولكنّا نعيد
القول به ، إذ كان هذا موضعه ، ونقول :
إنّه وغيره ممّن يدّعى الفلسفة ، قد أوجبوا التّقليد على أتباعهم فيما يدقّ من علومهم ، وأجازوا التّسليم لرؤسائهم فيما لا تبلغه عقولهم ؛ على ما ادّعاه الملحد من أنّ من نظر فى شيء
من الفلسفة ، تخلّصت نفسه من كدورة هذا العالم ، وإن لم يبلغ الغاية فيها . أو ليست هذه رخصة فى ترك النّظر
فيما يدقّ ، والتّسليم والرّضى بمقدار ما يلحق؟ أو ليس قد أوجب التّقليد فيما لا يبلغه عقله؟ فكيف يجيز ذلك لأتباعه ، وينكر على أهل الشّرائع أن
ينهوا أتباعهم عن النظر فيما تعجز عنه عقولهم ، وأن يسلّموا لعلمائهم اذا عرفوا
طريق الحقّ ، وأن يقلّدوهم ما ليس فى وسعهم أن يلحقوه؟!
ونقول : إنّ أهل الحقّ والعدل لا يجيزون التقليد فى الأصول ، مثل : معرفة التّوحيد ، وأمر النّبوّة ، وإثبات الإمامة ؛ هذا ما لا يجوز قبوله
بالتّقليد. فاذا ثبت التّوحيد وصحّ
أمر النّبوّة وثبت أمر الإمامة ،
بعد ذلك يجوز التقليد للامام الحقّ العادل العالم. وليس فى جبلّة البشر أن يبلغوا الغاية من العلم ، اذ كان فوق كل ذى
علم عليم. وإن سقط التّقليد بعد معرفة هذه الأصول كما ذكرنا وكلّف الناس كلّهم أن
يبلغوا الغاية ، فقد