الذين كنوا عن أسمائهم ووضعوا هذه الأصول ، وانّهم كانوا أنبياء ، وهم أئمّتنا. وليس
أولئك الحكماء معدودين فى جملة أئمّة الملحدين الذين درسوا تلك الكتب والأصول
بعدهم ، ثم تسمّوا بأسمائهم ورفضوا
الشّرائع وتكلموا فى البارى جل وتعالى وفى مبادى الاشياء وابتدعوا ذلك الغثاء المتناقض الّذي يدلّ على حيرتهم ويشهد بضلالتهم . وليس للملحد أن يتبجّح بأولئك الحكماء
المحقّين الذين لهم تلك
الاصول ، فانّهم أئمّتنا لا ائمّة الملحدين. وما مثل الملحد فى التّبجّح بهم والافتخار بتلك الأصول إلا مثل شيخ كان واقفا فى رأس حلبة وقد أرسلت خيل فى السّباق فجاء فرس
سابقا ، فلما رأى الشيخ ذلك الفرس استشاط فرحا وجعل يصفق بيديه ويضطرب ويطرب. فقال
له قائل : أيّها الشيخ! أهذا الفرس لك؟ قال : لا ، ولكن اللّجام الّذي عليه ، هو لى ؛ وكذلك سبيل الملحد
بافتخاره بأولئك الحكماء وباصولهم. وما قرابته منهم إلا كقرابة جار النّجار الّذي
ضرب به المثل المشهور. لان الملحد منكر للنبوة ، وهؤلاء كانوا أنبياء كما ذكرنا من
شأن إدريس وغيرهم. وإنّما نظر الملحد فى أصولهم وتعلّم
منها وجهل فضلهم ومراتبهم وحطّهم عن تلك المراتب التى فضّلهم الله بها الى المنزلة الخسيسة التى اختارها لنفسه
، جهلا منه وضلالا. ولو تأمّل حالهم وأنصف ، لعلم أنّه ليس فى وسع البشر أن يدركوا
مسافة ما بين مصرين