فى هذه الدّنيا ، لا يتمّ إلّا بالإجبار والقهر والغلبة ؛ لاختلاف طبائع النّاس وهممهم (١) فى اديانهم وأمور (٢) دنياهم. فلذلك أجبروا النّاس على قبول ظاهر شرائعهم التى تدلّ على المعانى اللّطيفة ، وأسّسوا الدّين على قبول الظّاهر والباطن ، ليكون فى قبولهم (٣) ظاهر شرائعهم ، وقبولهم الحدود (٤) التى سنّوا فيها ، قوام أمورهم فى دنياهم ، وحقن دمائهم ، وتحصين أموالهم ، وذراريهم ، ومنعهم الفتنة من التعدّى والفساد فى الارض والبغى والهرج ، ويكون فيه صلاح أحوالهم ؛ إذ كان فيهم العالم والجاهل ، والصالح والطّالح (٥) ، والورع والمنتهك (٦) ، والعاقل والغبىّ على اختلاف طبائعهم وتفاوت طبقاتهم. فلذلك ، أمرهم الله عزوجل ، أن يلزموا النّاس قبول ظاهر رسومهم وحدودهم بالقهر والاجبار ؛ كما قال الله عزوجل لنبيّه محمّد (ص) : (وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدّين (٧) كلّه لله). فأمره بقتالهم حتّى قبلوا ما جاء به. فلما أقام فيهم السّنن والاحكام الظّاهرة ، أمره أن يفوّض إليهم (٨) أمر دينهم ، فقال : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَ) ، وقال تعالى (١٠) : (اللهُ وَلِيُ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ (١٢) إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ).
فأمره فى آية أن يقاتلهم ويكرههم على قبول ما أتى به ، وأمره فى آية أن (١٣)
__________________
(١) ـ هممهم : همم A (٢) امور : امرB (٣) ـ قبولهم : قلوبهم C (٤) الحدود : المحدودA (٥) ـ الصالح والطالح : الطالح والصالح A (٦) المنتهك : المنهك AB (٧) ـ الدين : الذين A (٨) ـ إليهم : ـ B (٩) ـ الوثقى : + لانفضام لهاB (١٠) تعالى : ـ AC ـ (١١) ـ ولى : + الله A (١٢) ـ الظلمات : + فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون C (١٣) ـ يقاتلهم ... ان : ـ B