أما ابو حاتم ـ رحمهالله ـ فقد وضع حقيقة الأديان الواحدة امام اهل الأديان جميعا ، وبين الخلاف بين فروع الشرائع وأسبابه ، والترابط والاتحاد بين أصولها وضروراته ، بما لا يدع مجالا لمتخلف أن يتخلف الا أن يكون مرضه القلبى مزمنا وعلته العقلية مستعصية او يكون جاهلا بكتابه الّذي يعتقد به.
واذا كان قد قيل ان السبب الدافع لمن ذهبوا مذهب ابن زكريا فى انكار النبوة وتمجيد العقل أو من ذهب هو مذهبهم كمانى قبلا وكاخوان الصفا بعدا مثلا كان محاولة القضاء التفاوت والخلافات بين المجتمع وازالة التباين بين طوائفه ومجاميعه بالقضاء على اسبابها ، تلك الأسباب التى اعتبروا تعدد الأديان أهمها ، فان أبا حاتم بما اوجده من الألفة والوحدة التامة بين الأديان ، اقرب الى تحقيق هذه الأمنية منهم وأصح. فتوحيد الناس لا يكون بإلغاء الدين وانكار النبوة وترك الناس لانفسهم ، بل باقرار الدين على حقيقته وانصباغ الناس بالصبغة الواحدة. فما أبعد الفرق بين التوحيد فى الاطلاق والتوحيد فى الالتزام.
وانه لشيء يذكرنى بقصة الرجلين جلسا الى جوار بعض فى حديقة : فتثاءب أحدهما وتمطّى ، فوكزت يده انف صاحبه ، فصاح : أنفى!! فجاوبه الآخر : ان يدى لم تخرج عن حدود حريتها ، ان لها الحق ان تتحرك فى الفضاء ما شاءت!! فأجابه صاحبه : حقا قلت ، وأعترف بحرية يدك. ولكن انفى هى الاخرى تطالب بحريتها وحدود حرية يدك تقف عنه حدود حرية انفى!! وهنا يظهر ابو حاتم فى هذا الكتاب