بالبديهيات ، فأضافت بعدا جديدا الى الموضوع ، وأحدثت دويا لا تزال اصداؤه تقرع الاذان منذ القرن الرابع. ولا شك عندى فى أن ابن زكريا لو كان يدرى بأنّه سيكون هدفا لابى حاتم بالذات ، لما ورط نفسه وجاهر بانكار النبوة وبما ذهب إليه فى هذا الصدد.
ومهما يكن ، فالكتاب ليس فى حاجة إلى تقديم ولا صاحبه الى تعريف ، ما دام الرجل هو كتابه ، وما دام الكتاب بين يدى القارى يعيش فى أجوائه ويتنقل بين فصوله وابوابه. وأرى أنه يحبل بى الا اسبق ذهن القارى بشيء من الحكم او التقديم ، فربما افسد ذلك عليه لذة اصدار الحكم بنفسه. لا أرى بالنسبة لهذا الكتاب بالذات مناسبة لاضع نفسى بين كاتبه وقارئه ، آملا أن تتحقق له لذة ومتعة فكرية وارتواء روحيا اكثر مما تحقق لى. فالواقع أن الكتاب على ما به من مباحث شيقة وبداهة خاطفة لماحة واستدلال ، مفحم ورشاقة فى الحوار ، يقدم لنا صورة جلية عن عظمة الثقافة الاسلامية ، وعن مدى الموسوعية التى كان يتمتع بها العالم الّذي يستحق أن يوصف بكونه عالما اسلاميا.
وان كان هناك ما أحرص على ألا يفوتني فهو هذه الطريقة التى بها قدم ابو حاتم الحقيقة الواقعة فى وحدة الأديان وجسّم تكاملها ، وبراعته فى الاستدلال عليها واستشهاده لها من واقع الكتب المقدسة والشرائع والتواريخ بما لم يحدث قبله أو بعده. لقد أكد الجميع على هذه الحقيقة. ولكنهم لم يخاطبوا بها جميع الافراد المعنية ولم يعالجوا بها القلوب المتنافرة ويؤلفوها حول المحور الواحد الحق.