يتبركون به ، وأب الواحد منهم وأبناؤه من ألدّ أعدائه ما داموا يعادون محمّدا وحديث محمّد موضع التّنافس من رجالهم ونسائهم ، حتى إذا أعيا الواحد منهم طلابه ، تناوب هو وزميل له الاختلاف إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن يقوم أحدهما بعمل الآخر عند ذهابه ، ويقوم الآخر برواية ما سمعه وعرفه من الرّسول بعد إيابه.
وهذه وافدة النّساء تقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يا رسول الله ، غلبنا عليك الرّجال ، فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا ممّا علّمك الله ، إلى غير ذلك من شواهد ومظاهر ، تدلّ على مبلغ هذا الحبّ السّامي الشّريف.
ويرحم الله القائل : [الوافر]
أسرت قريش مسلما في غزوة |
|
فمضى بلا وجل إلى السّيّاف |
سألوه : هل يرضيك أنّك سالم |
|
ولك النّبيّ فدى من الإتلاف |
فأجاب كلّا لا سلمت من الرّدى |
|
ويصاب أنف محمّد برعاف |
ولقد كان من مظاهر هذا الحبّ تسابقهم إلى كتاب الله يأخذون عنه ، ويحفظونه منه ، ثم إلى سنّته الغرّاء يحيطون بأقوالها وأفعالها وأحوالها وتقريراتها ، بل كانوا يتفنّنون في البحث عن هديه وخيره ، والوقوف على صفته وشكله ، كما تجد ذلك واضحا من سؤال الحسن والحسين عن حلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما أجيبا به من تجلية تلك الصّور المحمّدية الرائعة ، ورسمها بريشة المصور الماهر والصّناع القادر ، على يد أبيهما عليّ بن أبي طالب ، وخالهما هند بن أبي هالة رضياللهعنهم أجمعين.
العامل الخامس : بلاغة القرآن الكريم إلى حدّ فاق كلّ بيان ، وأخرس كلّ لسان وأسكت كل معارض ومكابر ، وهدم كلّ مجادل ومهاتر ، حتى قام ولا يزال يقوم في فم الدنيا معجزة من الله لحبيبه ، وآية من الحقّ لتأييد رسوله ، وبعد كلام الله في إعجازه وبلاغته كلام محمد صلىاللهعليهوسلم في إشراقه وديباجته وبراعته وجزالة ألفاظه وسموّ معانيه وهدايته ، فقد كان صلىاللهعليهوسلم أفصح النّاس وأبلغ النّاس ، وكان العرب إلى جانب ذلك مأخوذين بكل فصيح بليغ ، متنافسين في حفظ أجود المنظوم والمنثور ، فمن هنا هبّوا هبّة واحدة يحفظون القرآن ويفهمون القرآن ، وكذلك السّنّة النّبويّة كانت عنايتهم بحفظها والعمل بها تلي عنايتهم بالقرآن الكريم يتناقلونها ويتبادرونها كما سمعت.
والكلام في أسرار بلاغة القرآن ووجوه إعجازه ، وفي بلاغة كلام النّبوّة وامتيازه وفي