ثانيها : أن عبد الرّحمن بن عوف قال : كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبي صلىاللهعليهوسلم فدعا له ، وهذا أيضا يوجد منه الكثير.
ثالثها : أنه لم يبق بالمدينة ولا بمكّة ولا الطّائف ولا من بينها من الأعراف إلا من أسلم وشهد حجّة الوداع ، فمن كان في ذلك الوقت موجودا اندرج فيهم ، لحصول رؤيتهم للنبيّ صلىاللهعليهوسلم وإن لم يرهم هو.
قال الذّهبيّ في «الميزان» في ترجمة «رتن» ٢ / ٤٥ «وما أدراك ما رتن؟! شيخ دجّال بلا ريب ، ظهر بعد السّتمائة فادّعى الصّحبة ، والصّحابة لا يكذبون وهذا جريء على الله ورسوله ، وقد ألّفت في أمره جزءا».
حكمة الله في اختيار الصّحابة
الواقع أنّ العقل المجرّد من الهوى والتعصّب ، يحيل على الله في حكمته ورحمته ، أن يختار لحمل شريعته الختاميّة أمة مغموزة أو طائفة ملموزة تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، ومن هنا كان توثيق هذه الطّبقة الكريمة طبقة الصّحابة ، يعتبر دفاعا عن الكتاب والسّنّة وأصول الإسلام من ناحية ، ويعتبر إنصافا أدبيّا لمن يستحقونه من ناحية ثانية ، ويعتبر تقديرا لحكمة الله البالغة في اختيارهم لهذه المهمّة العظمى من ناحية ثالثة ، كما أن توهينهم والنيل منهم يعدّ غمزا في هذا الاختيار الحكيم ، ولمزا في ذلك الاصطفاء والتّكريم فوق ما فيه من هدم الكتاب والسنّة والدّين.
على أن المتصفّح لتاريخ الأمّة العربية وطبائعها ومميزاتها يرى من سلامة عنصرها وصفاء جوهرها ، وسمو مميزاتها ، ما يجعله يحكم مطمئنّا بأنّها صارت خير أمّة أخرجت للنّاس بعد أن صهرها الإسلام ، وطهرها القرآن ونفى خبثها سيّد الأنام ، عليه الصّلاة والسّلام.
ولكن الإسلام قد ابتلي حديثا بمثل أو بأشدّ ممّا ابتلي به قديما ، فانطلقت ألسنة في هذا العصر ترجف في كتاب الله بغير علم ، وتخوض في السّنة بغير دليل ، وتطعن في الصّحابة دون استحياء ، وتنال من حفظة الشريعة بلا حجّة ، وتتهمهم تارة بسوء الحفظ ، وأخرى بالتزيد وعدم التثبت ، وقد زوّدناك ، وسلّحناك ، فانزل في الميدان ولا تخش عداك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ).
نصرنا الله بنصرة الإسلام ، وثبت منا الأقدام والحمد لله في البدء والختام.