قَالَ : ثُمَّ أَوْحَى اللهُ إِلَيْهِمَا انْظُرَا أَلَّا تُشْرِكَا بِي شَيْئاً ـ وَلَا تَقْتُلَانِ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمْتُ ، وَلَا تَزْنِيَانِ وَلَا تَشْرَبَانِ الْخَمْرَ ، قَالَ : ثُمَّ كَشَطَ (١) عَنِ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ لِيُرِيَهُمَا قُدْرَتَهُ ثُمَّ أَهْبَطَهُمَا إِلَى الْأَرْضِ فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَلِبَاسِهِمْ ، فَهَبَطَا بِرحتة [بِنَاحِيَةِ] بَابِلَ مَهْرُوزٍ (٢) فَرُفِعَ لَهُمَا بِنَاءٌ مُشْرِفٌ فَأَقْبَلَا نَحْوَهُ ـ فَإِذَا بِحَضْرَتِهِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءُ ـ مُزَيَّنَةٌ مُعَطَّرَةٌ مُسْفِرَةٌ مُقْبِلَةٌ نَحْوَهُمَا ، فَلَمَّا نَظَرَا إِلَيْهَا وَنَاطَقَاهَا وَتَأَمَّلَاهَا ـ وَقَعَتْ فِي قُلُوبِهِمَا مَوْقِعاً شَدِيداً لِمَوْضِعِ الشَّهْوَةِ الَّتِي جُعِلَتْ فِيهِمَا ، ثُمَّ إِنَّهُمَا ائْتَمَرَا بَيْنَهُمَا وَذَكَرَا مَا نُهِيَا عَنْهُ مِنَ الزِّنَا فَمَضَيَا ـ ثُمَّ حَرَّكَتْهُمَا الشَّهْوَةُ الَّتِي جُعِلَتْ فِيهِمَا ـ فَرَجَعَا إِلَيْهَا رُجُوعَ فِتْنَةٍ وَخِذْلَانٍ ، فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا ـ فَقَالَتْ لَهُمَا : إِنَّ لِي دِيناً أَدِينُ بِهِ وَلَسْتُ أَقْدِرُ فِي دِينِي ـ الَّذِي أَدِينُ لَهُ عَلَى أَنْ أُجِيبَكُمَا إِلَى مَا تُرِيدَانِ ـ إِلَّا أَنْ تَدْخُلَانِ فِي دِينِي الَّذِي أَدِينُ بِهِ ، فَقَالا لَهَا : وَمَا دِينُكِ فَقَالَتْ : لِي إِلَهٌ مَنْ عَبَدَهُ وَسَجَدَ لَهُ ـ كَانَ لِي السَّبِيلُ إِلَى أَنْ أُجِيبَهُ إِلَى كُلِّ مَا سَأَلَنِي ـ فَقَالا لَهَا : وَمَا إِلَهُكِ قَالَتْ : إِلَهِي هَذَا الصَّنَمُ ، قَالَ : فَنَظَرَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ ـ فَقَالا هَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ مِمَّا نُهِينَا عَنْهُمَا الشِّرْكُ وَالزِّنَا ، لِأَنَّا إِنْ سَجَدْنَا لِهَذَا الصَّنَمِ وَعَبَدْنَاهُ أَشْرَكْنَا بِاللهِ ، وَإِنَّمَا نُشْرِكُ بِاللهِ لِنَصِلَ إِلَى الزِّنَا ، وَهُوَ ذَا نَحْنُ نَطْلُبُ الزِّنَا فَلَيْسَ نُعْطَاهُ إِلَّا بِالشِّرْكِ ، قَالَ : فَأْتَمَرَا فِيهَا فَغَلَبَتْهُمَا الشَّهْوَةُ الَّتِي جُعِلَتْ فِيهِمَا ، فَقَالا لَهَا : نُجِيبُكِ إِلَى مَا سَأَلْتِ ، قَالَتْ : فَدُونَكُمَا فَاشْرَبَا هَذَا الْخَمْرَ ـ فَإِنَّهُ قُرْبَانٌ لَكُمَا عِنْدَهُ ، وَبِهِ تَصِلَانِ إِلَى مَا تُرِيدَانِ ، فَقَالَ فَأْتَمَرَا بَيْنَهُمَا ـ فَقَالا : هَذِهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ مِمَّا قَدْ نَهَانَا رَبُّنَا عَنْهُ : الشِّرْكُ وَالزِّنَا ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ ، وَإِنَّمَا نَدْخُلُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ حَتَّى نَصِلَ إِلَى الزِّنَا فَأْتَمَرَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالا لَهَا : مَا أَعْظَمَ الْبَلِيَّةَ بِكِ قَدْ أَجَبْنَاكِ إِلَّا مَا سَأَلْتِ ، قَالَتْ : فَدُونَكُمَا فَاشْرَبَا مِنْ هَذَا الْخَمْرِ ـ وَاعْبُدَا الصَّنَمَ وَاسْجُدَا ، قَالَ : فَشَرِبَا الْخَمْرَ وَسَجَدَا لَهُ ، ثُمَّ رَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا تَهَيَّأَتْ لَهُمَا وَتَهَيَّئَا لَهَا ـ دَخَلَ عَلَيْهِمَا سَائِلٌ يَسْأَلُ ـ فَلَمَّا أَنْ رَأَيَاهُ ذَعِرَا مِنْهُ ، فَقَالَ لَهُمَا : إِنَّكُمَا لَمُرِيبَانِ ذَعِرَانِ ـ قَدْ خَلَوْتُمَا بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ الْعَطِرَةِ الْحَسْنَاءِ ـ إِنَّكُمَا لَرَجُلَا سَوْءٍ وَخَرَجَ عَنْهُمَا ، فَقَالَتْ لَهُمَا : لَا وَإِلَهِي مَا أَصِلُ إِلَى أَنْ
__________________
(١) كشط الغطاء عن الشّيء : نزعه وكشف عنه.
(٢) كذا في نسخة الأصل ، وفي نسختي البحار والصّافي «فهبطا في ناحية بابل فرفع لهما اه» وهو الظّاهر.