فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ بِخَلْقٍ مَضَى يَعْنِي الْجَانَّ بْنَ الْجِنِّ (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فَمَنُّوا عَلَى اللهِ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ ، فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ ثُمَ (عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) قَالُوا : (لا عِلْمَ لَنا) ، قَالَ : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) فَأَنْبَأَهُمْ ـ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ : (اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) ، وَقَالُوا فِي سُجُودِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ : مَا كُنَّا نَظُنُّ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ـ نَحْنُ خُزَّانُ اللهِ وَجِيرَانُهُ ، وَأَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ ـ قَالَ اللهُ يَعْلَمُ (ما تُبْدُونَ) مِنْ رَدِّكُمْ عَلَيَ (وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ، ظَنّاً أَنْ لَا يَخْلُقَ اللهُ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ، فَلَمَّا عَرَفَتِ الْمَلَائِكَةُ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِي خَطِيئَةٍ ـ لَاذُوا بِالْعَرْشِ وَأَنَّهَا كَانَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ الْعَرْشِ ، لَمْ يَكُنْ جَمِيعُ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ قَالُوا ـ مَا ظَنَنَّا أَنْ يَخْلُقَ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا ـ وَهُمُ الَّذِينَ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ ، فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ وَقَالُوا بِأَيْدِيهِمْ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ يُدِيرُهَا فَهُمْ يَلُوذُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا أَصَابَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ ـ جَعَلَ اللهُ هَذَا الْبَيْتَ لِمَنْ أَصَابَ مِنْ وُلْدِهِ خَطِيئَةً أَتَاهُ ـ فَلَاذَ بِهِ مِنْ وُلْدِ آدَمَ كَمَا لَاذُوا أُولَئِكَ بِالْعَرْشِ ، فَلَمَّا هَبَطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ طَافَ بِالْبَيْتِ ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الْمُسْتَجَارِ دَنَا مِنَ الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ـ فَقَالَ : يَا رَبِّ اغْفِرْ لِي فَنُودِيَ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ وَلِوُلْدِي قَالَ : فَنُودِيَ يَا آدَمُ مَنْ جَاءَنِي مِنْ وُلْدِكَ ـ فَبَاءَ بِذَنْبِهِ (١) بِهَذَا الْمَكَانِ غَفَرْتُ لَهُ (٢).
٨ ـ عَنْ عِيسَى بْنِ حَمْزَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ ع : جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الدُّنْيَا عُمُرُهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ ـ فَقَالَ : لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ ـ إِنَّ اللهَ خَلَقَ لَهَا خَمْسِينَ أَلْفَ عَامٍ فَتَرَكَهَا قَاعاً ـ قَفْرَاءَ خَاوِيَةٌ (٣) عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، ثُمَّ بَدَا لِلَّهِ بَدْأُ الْخَلْقِ فِيهَا ، خَلْقاً لَيْسَ مِنَ الْجِنِّ وَلَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَلَا مِنَ الْإِنْسِ ، وَقَدَّرَ لَهُمْ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، فَلَمَّا قَرُبَتْ آجَالُهُمْ أَفْسَدُوا فِيهَا فَدَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ تَدْمِيراً ـ ثُمَّ تَرَكَهَا قَاعاً قَفْرَاءَ خَاوِيَةٌ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، ثُمَّ خَلَقَ فِيهَا الْجِنَّ وَقَدَّرَ لَهُمْ عَشْرَةَ أَلْفَ عَامٍ ، فَلَمَّا قَرُبَتْ آجَالُهُمْ أَفْسَدُوا
__________________
(١) أيْ أقرّ واعترف به.
(٢) البحار ج ٢١ : ٤٦. البرهان ج ١ : ٧٤.
(٣) القاع : المستوي من الأرض ، وخاوية : أيّ خالية من الأهل.