يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦))
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) فيمن أريد بهذا ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أنهم المؤذّنون. روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(١٢٤٤) «نزلت في المؤذّنين» ، وهذا قول عائشة ، ومجاهد ، وعكرمة.
(١٢٤٥) والثاني : أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، قاله ابن عباس ، والسّدّيّ ، وابن زيد. والثالث : أنه المؤمن أجاب الله إلى ما دعاه ، ودعا الناس إلى ذلك (وَعَمِلَ صالِحاً) في إجابته ، قاله الحسن.
وفي قوله تعالى : (وَعَمِلَ صالِحاً) ثلاثة أقوال : أحدها : صلّى ركعتين بعد الأذان ، وهو قول عائشة ، ومجاهد ، وروى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) قال : الأذان (وَعَمِلَ صالِحاً) قال : الصّلاة بين الأذان والإقامة. والثاني : أدّى الفرائض وقام لله بالحقوق ، قاله عطاء. والثالث : صام وصلّى ، قاله عكرمة.
قوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) قال الزّجّاج : (لا) زائدة مؤكّدة ؛ والمعنى : ولا تستوي الحسنة والسّيّئة ، وللمفسّرين فيهما ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الحسنة : الإيمان ، والسّيّئة : الشّرك ، قاله ابن عباس .. والثاني : الحلم والفحش ، قاله الضّحّاك. والثالث : النّفور والصّبر ، حكاه الماوردي.
قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وذلك كدفع الغضب بالصّبر ، والإساءة بالعفو ، فإذا فعلت ذلك صار الذي بينك وبينه عداوة كالصّديق القريب (٢). وقال عطاء. هو السّلام على من تعاديه إذا
____________________________________
(١٢٤٤) لم أره في شيء من كتب التفسير والأثر ، والأشبه أن المصنف أخذه من تفسير الكلبي أو مقاتل أو نحوهما ، فإن المتن باطل. والصحيح العموم في كل داع يدعو إلى الله تعالى.
(١٢٤٥) أثر واه. أخرجه الطبري ٣٠٥٤٢ عن ابن زيد ، واسمه عبد الرحمن ، وهو متروك ، ليس بشيء.
وأخرجه ٣٠٥٤١ عن السدي به ، ولم أره عن ابن عباس. ولا يصح ، وانظر التعليق المتقدم.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ١١٨ ـ ١١٩ : وهذه عامة في كل من دعا إلى خير ، وهو في نفسه مهتد ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أولى الناس بذلك. وقال بعد أن ذكر الأقوال فيمن نزلت : والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم ، فأما حال نزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية ، لأنها مكية ، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة ، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه ، فقصه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا.
(٢) قال ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ١١٩ : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي : من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، وقوله (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وهو الصديق ، أي : إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك ، والحنو عليك ، حتى يصير كأنه ولي لك حميم ، أي : قريب إليك. من الشفقة عليك والإحسان إليك وقال في ٢ / ٣٤٩ : وقال بعض العلماء : الناس رجلان : فرجل محسن ، فخذ ما عفا لك من إحسانه ، ولا تكلّفه فوق طاقته ولا ما يحرجه ، وإما مسيء فمره بالمعروف ، فإن تمادى على ضلاله واستعصى عليك واستمر في جهله ، فأعرض عنه ، فلعل ذلك أن يردّ كيده.