(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) لمّا دخلوا النّار (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «أرنا» بسكون الراء. قال المفسّرون : يعنون إبليس وقابيل ، لأنهما سنّا المعصية ، (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أي : في الدّرك الأسفل ، وهو أشدّ عذابا من غيره. ثم ذكر المؤمنين فقال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) أي : وحّدوه (ثُمَّ اسْتَقامُوا) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : استقاموا على التوحيد ، قاله أبو بكر الصّديق ، ومجاهد. والثاني : على طاعة الله وأداء فرائضه ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة. والثالث : على الإخلاص والعمل إلى الموت ، قاله أبو العالية ، والسّدّيّ.
(١٢٤٣) وروى عطاء عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصّدّيق ، وذلك أنّ المشركين قالوا : ربّنا الله ، والملائكة بناته ، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فلم يستقيموا ، وقالت اليهود : ربّنا الله ، وعزير ابنه ، ومحمّد ليس بنبيّ ، فلم يستقيموا ، وقالت النّصارى : ربّنا الله ، والمسيح ابنه ، ومحمّد ليس بنبيّ ، فلم يستقيموا ، وقال أبو بكر : ربّنا الله وحده ، ومحمّد عبده ورسوله ، فاستقام.
قوله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا) أي : بأن لا تخافوا. وفي وقت نزولها عليهم قولان (١) : أحدهما : عند الموت ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ؛ فعلى هذا في معنى (أَلَّا تَخافُوا) قولان : أحدهما : لا تخافوا الموت ، ولا تحزنوا على أولادكم ، قاله مجاهد. والثاني : لا تخافوا ما أمامكم ، ولا تحزنوا على ما خلفكم ، قاله عكرمة ، والسّدّيّ. والقول الثّاني : تتنزّل عليهم إذا قاموا من القبور ، قاله قتادة ؛ فيكون معنى (أَلَّا تَخافُوا) : أنهم يبشّرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة. قوله تعالى : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) قال المفسّرون : هذا قول الملائكة لهم ، والمعنى : نحن الذين كنّا نتولّاكم في الدّنيا ، لأنّ الملائكة تتولّى المؤمنين وتحبّهم لما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء ، (وَفِي الْآخِرَةِ) أي : ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنّة. وقال السّدّيّ : هم الحفظة على ابن آدم ، فلذلك قالوا : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ؛ وقيل : هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح. قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها) أي : في الجنّة. (نُزُلاً) قال الزّجّاج : معناه : أبشروا بالجنّة تنزلونها نزلا. وقال الأخفش : لكم فيها ما تشتهي أنفسكم أنزلناه نزلا.
(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما
____________________________________
(١٢٤٣) ذكره الواحدي بدون إسناد في «أسباب النزول» ٧٣٤ ، ولم أره مسندا ، فهو لا شيء ، لخلوه عن الإسناد ، والصحيح عموم الآية ، وذكر اليهود والنصارى في هذا الخبر منكر جدا.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ١١٧ : قال زيد بن أسلم : يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث.
وهذا القول يجمع الأقوال كلها. وهو حس جدا ، وهو الواقع.