لقيته. قال المفسّرون : وهذه الآية منسوخة بآية السّيف. قوله تعالى : (وَما يُلَقَّاها) أي : ما يعطاها. قال الزّجّاج : ما يلقّى هذه الفعلة : وهي دفع السّيّئة بالحسنة (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) على كظم الغيظ (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من الخير. وقال السّدّيّ : إلّا ذو جدّ. وقال قتادة : الحظّ العظيم : الجنّة ؛ فالمعنى : ما يلقّاها إلّا من وجبت له الجنّة.
قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) قد فسّرناه في الأعراف (١).
(وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))
قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) أي : تكبّروا عن التوحيد والعبادة (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) يعني الملائكة (يُسَبِّحُونَ) أي : يصلّون. و«يسأمون» بمعنى يملّون. وفي موضع السّجدة قولان (٢) : أحدهما : أنه عند قوله : «يسأمون» ، قاله ابن عباس ، ومسروق ، وقتادة ، واختاره القاضي أبو يعلى ، لأنه تمام الكلام. والثاني : أنه عند قوله : (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ، روي عن أصحاب عبد الله ، والحسن ، وأبي عبد الرّحمن.
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) قال قتادة : غبراء متهشّمة ، قال الأزهري : إذا يبست الأرض ولم تمطر ، قيل : خشعت. قوله تعالى : (اهْتَزَّتْ) أي : تحرّكت بالنّبات (وَرَبَتْ) أي علت ، لأنّ النّبت إذا أراد أن يظهر ارتفعت له الأرض ؛ وقد سبق بيان هذا (٣).
(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) قال مقاتل : نزلت في أبي جهل ، وقد شرحنا معنى الإلحاد في النحل (٤) ؛ وفي المراد به هاهنا خمسة أقوال : أحدها : أنه وضع الكلام على غير موضعه ،
__________________
(١) الأعراف : ٢٠٠.
(٢) قال القرطبي في «تفسيره» ١٥ / ٣١٧ : وقوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ...) الآية ، هذه الآية آية سجدة بلا خلاف ، واختلفوا في موضع السجود منها فقال مالك : موضعه (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) لأنه متصل بالأمر وكان علي وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهم يسجدون عند قوله : (تَعْبُدُونَ). وقال ابن وهب والشافعي : موضعه (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) لأنه تمام الكلام وغاية العبادة والامتثال وبه قال أبو حنيفة ، وكان ابن عباس يسجد عند قوله : (يَسْأَمُونَ). وقال ابن عمر : اسجدوا بالآخرة منهما. وكذلك يروى عن مسروق وأبي عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي قال ابن العربي : والأمر قريب.
(٣) الحج : ٥.
(٤) النحل : ١٠٣.