عباس. والثاني : ساع إلى ربّك سعيا ، قاله مقاتل. قال الزّجّاج : و«الكدح» في اللغة : السّعي ، والدّأب في العمل باب الدنيا والآخرة. قال تميم بن مقبل :
وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما |
|
أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح |
وفي قوله عزوجل : (إِلى رَبِّكَ) قولان : أحدهما : عامل لربّك. وقد ذكرناه عن ابن عباس. والثاني : إلى لقاء ربّك ، قاله ابن قتيبة.
وفي قوله عزوجل : (فَمُلاقِيهِ) قولان : أحدهما : فملاق عملك. والثاني : فملاق ربّك ، ذكرهما الزّجّاج.
قوله عزوجل : (فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) وهو أن تعرض عليه سيّئاته ، ثم يغفرها الله له.
(١٥٢٠) وفي «الصّحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من نوقش الحساب هلك ، فقلت : يا رسول الله ، فإنّ الله يقول : «فسوف يحاسب حسابا يسيرا»؟! قال : ذلك العرض».
قوله عزوجل : (وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ) يعني : في الجنّة من الحور العين والآدميّات (مَسْرُوراً) بما أوتي من الكرامة (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) قال المفسّرون : تغلّ يده اليمنى إلى عنقه ، وتجعل يده اليسرى وراء ظهره (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) قال الزّجّاج : يقول : يا ويلاه ، يا ثبوراه ، وهذا يقوله كلّ من وقع في هلكة.
قوله عزوجل : (وَيَصْلى سَعِيراً) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، والكسائيّ «ويصلّى» بضمّ الياء ، وتشديد اللام. وقرأ عاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة «ويصلى» بفتح الياء خفيفة ، إلّا أنّ حمزة والكسائيّ يميلانها. وقد شرحناه في سورة النّساء (١). قوله عزوجل : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ) يعني في الدنيا (مَسْرُوراً) باتّباع هواه ، وركوب شهواته (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي : لن يرجع إلى الآخرة ، ولن يبعث وهذه صفة الكافر. قال اللغويون : الحور في اللغة : الرجوع ، وأنشدوا للبيد :
وما المرء إلّا كالشّهاب وضوئه |
|
يحور رمادا بعد إذ هو ساطع |
(بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩) فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣) فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥))
____________________________________
(١٥٢٠) صحيح. أخرجه البخاري ١٠٣ والبغوي في «شرح السنة» ٤٢١٤ عن سعيد بن أبي مريم به. عن عائشة. وأخرجه البخاري ٤٩٣٩ ومسلم ٢٨٧٦ ح ٧٩ والترمذي ٣٣٣٧ وأحمد ٦ / ٤٧ والطبري ٣٦٧٣٦ وابن حبان ٧٣٦٩ والقضاعي ٣٣٨ من طرق عن أيوب عن ابن أبي مليكة. وأخرجه البخاري ٤٩٣٩ و ٦٥٣٦ والترمذي ٢٤٢٦ و ٣٣٣٧ والطبري ٣٦٧٣٩ و ٣٦٧٤٠ من طرق عن ابن أبي مليكة به.
__________________
(١) النساء : ١١.