سورة الانشقاق
وهي مكّيّة كلّها بإجماعهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢) إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤))
قوله عزوجل : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١)) قال المفسّرون : انشقاقها من علامات الساعة. وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن. (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) أي : استمعت وأطاعت في الانشقاق ، من الإذن ، وهو الاستماع للشيء والإصغاء إليه ، وأنشدوا :
صمّ إذا سمعوا خيرا ذكرت به |
|
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا (١) |
(وَحُقَّتْ) أي : حقّ لها أن تطيع ربّها الذي خلقها (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) قال ابن عباس : تمدّ مدّ الأديم ، ويزاد في سعتها. وقال مقاتل : لا يبقى جبل ولا بناء إلّا دخل فيها.
قوله عزوجل : (وَأَلْقَتْ ما فِيها) من الموتى والكنوز (وَتَخَلَّتْ) أي : خلت من ذلك ، فلم يبق في باطنها شيء. واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال : أحدها : أنه متروك ، لأنّ المعنى معروف قد تردّد في القرآن. والثاني : أنه (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) ، كقول القائل : إذا كان كذا وكذا فيا أيّها الناس ترون ما عملتم ، فيجعل : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ) هو الجواب ، وتضمر فيه الفاء ، فكأنّ المعنى : ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقّت ، ذكر القولين الفرّاء. والثالث : أنّ في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربّك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقّت» قاله المبرّد. والرابع : أنّ الجواب مدلول عليه بقوله عزوجل : «فملاقيه». فالمعنى : إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله ، قاله الزّجّاج.
قوله عزوجل : (إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) فيه قولان : أحدهما : إنك عامل لربّك عملا ، قاله ابن
__________________
(١) البيت لقعنب بن ضمرة بن أم صاحب ، كما في «الاقتضاب» ٢٩٢ و«اللسان» ـ أذن ـ.