لأنه لا يكاد يسرق في الميزان والمكيال إلّا الشيء الطّفيف ، وإنما أخذ من طفّ الشيء ، وهو جانبه.
قوله عزوجل : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ) أي : من الناس. ف «على» بمعنى «من» في قول المفسّرين واللغويين. قال الفرّاء : «على» ، و«من» يعتقبان في هذا الموضع ، لأنك إذا قلت : اكتلت عليك ، فكأنك قلت : أخذت ما عليك كيلا ، وإذا قلت : اكتلت منك كيلا ، فهو كقولك : استوفيت منك. قال الزّجّاج : المعنى : إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل ، وكذلك إذا اتّزنوا ، ولم يذكر «إذا اتّزنوا» ، لأنّ الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فيما يكال ويوزن ، فأحدهما يدل على الآخر (وَإِذا كالُوهُمْ) أي : كالوا لهم (أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي : وزنوا لهم (يُخْسِرُونَ) أي : ينقصون في الكيل ، والوزن. فعلى هذا لا يجوز أن يقف على «كالوا» ، ومن الناس من يجعل «هم» توكيدا لما كالوا ، ويجوز أن يقف على «كالوا» والاختيار الأول. قال الفرّاء : سمعت أعرابيّة تقول :
إذا صدر الناس أتينا التاجر ، فيكيلنا المدّ والمدّين إلى الموسم المقبل.
قوله عزوجل : (أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ)؟! قال الزّجّاج : المعنى : لو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) يعني به يوم القيامة (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) اليوم منصوب بقوله عزوجل «مبعوثون». قال المفسّرون : والظّنّ هاهنا بمعنى العلم واليقين. ومعنى يقوم الناس ، أي : من قبورهم (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي : لأمره ، أو لجزائه وحسابه. وقيل يقومون بين يديه لفصل القضاء.
(١٥١٨) وفي «الصحيحين» من حديث ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : في هذه الآية : «يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه». وقال كعب : يقفون ثلاثمائة عام. قال مقاتل : وذلك إذا أخرجوا من قبورهم.
(كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (٧) وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ (٨) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٠) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (١١) وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٣) كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلاَّ إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ (١٩) كِتابٌ مَرْقُومٌ (٢٠) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٢٣) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ (٢٦) وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (٢٧) عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (٢٨))
قوله عزوجل : (كَلَّا) ردع وزجر ، أي : ليس الأمر على ما هم عليه ، فليرتدعوا. وهاهنا تمّ الكلام عند كثير من العلماء. وكان أبو حاتم يقول : «كلا» ابتداء يتصل بما بعده على معنى «حقّا» (إِنَّ
____________________________________
(١٥١٨) صحيح. أخرجه البخاري ٤٩٣٨ والبغوي في «التفسير» من طريق إبراهيم بن المنذر به. وأخرجه مسلم ٢٨٦٢ من طريق معن به. وأخرجه الطبراني ٣٠ / ٩٤ من طريق مالك به. وأخرجه البخاري ٦٥٣١ ومسلم ٢٨٦٢ والترمذي ٢٤٢٢ وابن ماجة ٤٢٧٨ ، وأحمد ٢ / ١٠٥ و ١٢٥ وابن أبي شيبة ١٣ / ٢٣٣ وابن حبان ٧٣٣١ والطبري ٣٦٥٨٥ و ٣٦٥٨٩ والبغوي ٤٢١١ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٤٢ من طرق عن نافع به.