إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٤ ]

زاد المسير في علم التفسير [ ج ٤ ]

415/551
*

كِتابَ الفُجَّارِ) قال مقاتل : إنّ كتاب أعمالهم (لَفِي سِجِّينٍ) وفيها أربعة أقوال : أحدها : أنها الأرض السابعة ، وهذا قول مجاهد ، وقتادة ، والضّحّاك ، وابن زيد ، ومقاتل. وروي عن مجاهد قال : «سجين» صخرة تحت الأرض السابعة ، جعل كتاب الفاجر تحتها ، وهذه علامة لخسارتهم ، ودلالة على خساسة منزلتهم. والثاني : أن المعنى : إنّ كتابهم لفي سفال ، قاله الحسن. والثالث : لفي خسار ، قاله عكرمة. والرابع : لفي حبس ، فعّيل من السّجن ، قاله أبو عبيدة.

قوله عزوجل : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) هذا تعظيم لأمرها. وقال الزّجّاج : أي : ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك.

قوله عزوجل : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) أي : ذلك الكتاب الذي في سجّين كتاب مرقوم ، أي : مكتوب. قال ابن قتيبة : والرّقم : الكتاب. قال ابن ذؤيب (١) :

عرفت الدّيار كرقم الدّواة

يزبره الكاتب الحميري

وأنشده الزّجّاج : «يذبرها» بالذال المعجمة ، وكسر الباء. قال الأصمعيّ : يقال : زبر : كتب ، وذبر : قرأ. وروى أبو عمرو عن ثعلب ، عن ابن الأعرابي ، قال : الصواب : زبرت ـ بالزاي ـ كتبت. وذبرت ـ بالذال ـ أتقنت ما حفظت. قال : والبيت يزبرها ، بالزاي والضمّ. وقال ابن قتيبة : يروى «يزبرها» و«يذبرها» وهو مثله ، يقال : زبر الكتاب يزبره ، ويذبره. وذبره يذبره ، ويذبره. وقال قتادة : رقّم له بشرّ ، كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه الكافر. وقيل : المعنى : إنه مثبت لهم كالرّقم في الثوب ، لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به.

قوله عزوجل : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) هذا منتظم بقوله عزوجل (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) ، وما بينهما كلام معترض. وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله عزوجل : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر «بل ران» بفتح الراء مدغمة ، وقرأ أبو بكر عن عاصم «بل ران» مدغمة بكسر الراء. وقرأ حفص عن عاصم «بل» بإظهار اللام «ران» بفتح الراء وقرأ حمزة والكسائيّ بإدغام اللام بكسر الراء ، قال اللغويون : أي : غلب على قلوبهم يقال : الخمر ترين على عقل السّكران. قال الزّجّاج : قرئت بإدغام اللام في الراء ، لقرب ما بين الحرفين ، وإظهار اللام جائز ، لأنه من كلمة ، والرأس من كلمة أخرى. ويقال : ران على قلبه الذّنب يرين رينا : إذا غشي على قلبه ، ويقال : غان يغين غينا ، والغين كالغيم الرقيق ، والرّين كالصدإ يغشى على القلب. وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول : الغين يقال : بالراء ، وبالغين ، ففي القرآن (كَلَّا بَلْ رانَ).

(١٥١٩) وفي الحديث : «إنه ليغان على قلبي» وكذلك الرّاية تقال بالراء ، وبالغين ، والرّميصاء تكتب «بالغين» ، وبالراء ، لأنّ الرّمص يكتب بهما. قال المفسّرون : لمّا كثرت معاصيهم وذنوبهم أحاطت بقلوبهم. قال الحسن : هو الذّنب على الذّنب حتى يعمى القلب.

____________________________________

(١٥١٩) صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٠٢ وأبو داود ١٥١٥ وأحمد ٤ / ٢٦٠ والنسائي في «اليوم والليلة» ٤٤٢ وابن حبان ٩٣١ من حديث الأغرّ المزني بزيادة «وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة». وانظر «تفسير القرطبي» ٥١٢.

__________________

(١) البيت لأبي ذؤيب خويلد بن خالد ، جاهلي إسلامي ، «ديوان الهذليين» ١ / ٦٤.