(١٣٩٥) أحدهما : أنها نزلت في المؤمنين. قال ابن مسعود : ما كان بين إسلامنا ، وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلّا أربع سنين ، فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا.
والثاني : أنها نزلت في المنافقين ، قاله أبو صالح عن ابن عباس (١). قال مقاتل : سأل المنافقون سلمان الفارسيّ فقالوا : حدّثنا عن التّوراة ، فإنّ فيها العجائب ، فنزلت هذه الآية (٢).
وقال الزّجّاج : نزلت هذه الآية في طائفة من المؤمنين حثّوا على الرّقّة والخشوع. فأمّا من كان وصفه الله عزوجل بالخشوع ، والرّقّة ، فطبقة من المؤمنين فوق هؤلاء. فعلى الأول : يكون الإيمان حقيقة. وعلى الثاني : يكون المعنى : «ألم يأن للذين آمنوا» بألسنتهم. قال ابن قتيبة : المعنى : ألم يحن. تقول : آن الشيء : إذا حان.
قوله عزوجل : (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) أي ترقّ وتلين (لِذِكْرِ اللهِ). المعنى : أنه يجب أن يورثهم الذّكر خشوعا (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائيّ «وما نزّل» بفتح النون والزاي مع تشديد الزاي. وقرأ نافع وحفص ، والمفضل عن عاصم «نزل» بفتح النون وتخفيف الزاي. وقرأ أبو عبد الرّحمن السّلمي وأبو العالية وابن يعمر ، ويونس بن حبيب عن أبي عمرو ، وأبان عن عاصم «نزّل» برفع النون وكسر الزاي مع تشديدها. وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء «وما أنزل» بهمزة مفتوحة وفتح الزاي. وقرأ أبو مجلز ، وعمرو بن دينار مثله إلا أنه بضمّ الهمزة وكسر الزاي. و«الحقّ» القرآن (وَلا يَكُونُوا) قرأ رويس عن يعقوب «ولا تكونوا» بالتاء (كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني اليهود والنّصارى (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) وهو الزّمان. وقال ابن قتيبة : الأمد : الغاية. والمعنى : أنه بعد عهدهم بالأنبياء والصالحين (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) وهم الذين لم يؤمنوا بعيسى ومحمّد عليهماالسلام (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي يخرج منها النبات بعد يبسها ، فكذلك يقدر على إحياء الأموات (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ) الدّالة على وحدانيّته وقدرته (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لكي تتأمّلوا.
(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩))
قوله عزوجل : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ) قرأ ابن كثير ، وعاصم إلّا حفصا بتخفيف الصاد فيهما على معنى التّصديق. وقرأ الباقون بالتشديد على معنى الصّدقة. قوله عزوجل : (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) اختلفوا في نظم الآية على قولين (٣) : أحدهما : أنّ تمام الكلام عند قوله عزوجل :
____________________________________
(١٣٩٥) هذا الأثر صحيح ، أخرجه مسلم ٣٠٢٧ والنسائي في «التفسير» ٥٨٨ واستدركه الحاكم ٢ / ٤٧٩ كلهم عن ابن مسعود. وانظر «تفسير الشوكاني» ٢٤٥٦.
__________________
(١) موضوع. عزاه المصنف لأبي صالح ، وهو متهم في ابن عباس ، حيث روى وصاحبه الكلبي تفسير موضوعا عن ابن عباس ، وهذا منه ، فالآية المراد بها المؤمنون.
(٢) الخبر منكر جدا ، أمارة الوضع لائحة عليه ، ومقاتل هو ابن سليمان وهو كذاب.
(٣) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ١١ / ٦٨٤ : والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال :