يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥))
قوله عزوجل : (يَسْعى نُورُهُمْ) قال المفسّرون : يضيء لهم نور عملهم على الصّراط على قدر أعمالهم. قال ابن مسعود : منهم من نوره مثل الجبل ، وأدناهم نورا نوره على إبهامه يطفئ مرة ، ويوقد أخرى. وفي قوله عزوجل : (وَبِأَيْمانِهِمْ) قولان : أحدهما : أنه كتبهم يعطونها بأيمانهم ، قاله الضّحّاك. والثاني : أنه نورهم يسعى ، أي : يمضي بين أيديهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، والباء بمعنى : «في». و«في» بمعنى «عن» ، وهذا قول الفراء.
قوله تعالى : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ) هذا قول الملائكة لهم. قوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ) وقرأ حمزة : «أنظرونا» بقطع الهمزة ، وفتحها ، وكسر الظاء ، قال المفسرون : تغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة ، فيعطى المؤمنون النور ، فيمشي المنافقون بنور المؤمنين ، قالوا : انظرونا نقتبس من نوركم ، (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) في القائل لهم قولان : أحدهما : أنهم المؤمنون ، قاله ابن عباس. والثاني : الملائكة ، قاله مقاتل ، وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال : أحدها : ارجعوا إلى المكان الذي قبستم فيه النّور ، فيرجعون ، فلا يرون شيئا. والثاني : ارجعوا فاعملوا عملا يجعله الله لكم نورا. والثالث : أنّ المعنى : لا نور لكم عندنا. قوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) قال ابن عباس : هو الأعراف ، وهو سور بين الجنة والنار (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) وهي الجنة (وَظاهِرُهُ) يعني من وراء السور (مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) وهو جهنّم. وقد ذهب قوم إلى أنّ السّور يكون ببيت المقدس في مكان السّور الشرقي بين الوادي الذي يسمّى : وادي جهنّم ، وبين الباب الذي يسمّى : باب الرّحمة ، وإلى نحو هذا ذهب عبادة بن الصّامت ، وعبد الله بن عمر ، وكعب.
قوله عزوجل : (يُنادُونَهُمْ) أي : ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السّور : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي : على دينكم نصلّي بصلاتكم ، ونغزو معكم؟! فيقول لهم المؤمنون : (بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ) فيه قولان : أحدهما : تربصتم بالتّوبة. والثاني : تربّصتم بمحمّد الموت ، وقلتم : يوشك أن يموت فنستريح (وَارْتَبْتُمْ) شككتم في الحقّ (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) يعني ما كانوا يتمنّون من نزول الدّوائر بالمؤمنين (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) وفيه قولان : أحدهما : أنه الموت. والثاني : إلقاؤهم في النّار (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي غرّكم الشيطان بحكم الله وإمهاله (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) وقرأ أبو جعفر ، وابن عامر ، ويعقوب «لا تؤخذ» بالتاء ، أي : بدل وعوض عن عذابكم. وهذا خطاب للمنافقين ، ولهذا قال عزوجل : (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
قوله عزوجل : (هِيَ مَوْلاكُمْ) قال أبو عبيدة : ؛ أي : أولى بكم.
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٧))
قوله عزوجل : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) اختلفوا فيمن نزلت على قولين :