(١٣٩١) «إنّ من المنشآت اللّاتي كنّ في الدنيا عجائز عمشا رمصا».
قوله عزوجل : (فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) أي : عذارى. قال ابن عباس : لا يأتيها زوجها إلّا وجدها بكرا. قوله عزوجل : (عُرُباً) قرأ الجمهور : بضمّ الراء. وقرأ حمزة ، وخلف : بإسكان الراء ؛ قال ابن جرير ؛ هي لغة تميم وبكر. وللمفسّرين في معنى «عربا» خمسة أقوال : أحدها : أنهنّ المتحبّبات إلى أزواجهنّ ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وابن قتيبة ، والزّجّاج. والثاني : أنهنّ العواشق ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وبه قال الحسن ، وقتادة ، ومقاتل ، والمبرّد ، وعن مجاهد كالقولين. والثالث : الحسنة التّبعّل ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال أبو عبيدة. والرابع : المغنّجات ، قاله عكرمة. والخامس : الحسنة الكلام ، قاله ابن زيد. فأمّا الأتراب فقد ذكرناهنّ في ص (١).
قوله عزوجل : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) هذا من نعت أصحاب اليمين. وفي الأوّلين والآخرين خلاف ، قد سبق شرحه (٢). وقد زعم أنه لمّا أنزلت الآية الأولى ، وهي قوله : «وقليل من الآخرين» وجد المؤمنون من ذلك وجدا شديدا حتى أنزلت «وثلّة من الآخرين» فنسختها. وروي عن عروة بن رويم نحو هذا المعنى.
قلت : وادّعاء النّسخ هاهنا لا وجه له لثلاثة أوجه : أحدها : أنّ علماء النّاسخ والمنسوخ لم يوافقوا على هذا. والثاني : أنّ الكلام في الآيتين خبر ، والخبر لا يدخله النّسخ. فهو هاهنا لا وجه له. والثالث : أنّ الثّلّة بمعنى الفرقة والفئة ؛ قال الزّجّاج : اشتقاقهما من القطعة ، والثّلّ : الكسر والقطع. فعلى هذا قد يجوز أن تكون الثّلّة في معنى القليل.
(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥) هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦))
قوله عزوجل : (ما أَصْحابُ الشِّمالِ) قد بيّنّا أنه بمعنى التّعجّب من حالهم ؛ والمعنى : ما لهم ، وما أعدّ لهم من الشّرّ؟! ثم بيّن سوء منقلبهم فقال : (فِي سَمُومٍ) قال ابن قتيبة : هو حرّ النّار. قوله عزوجل : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) قال ابن عباس : ظلّ من دخان : قال الفرّاء : اليحموم : الدّخان الأسود ، (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) فوجه الكلام الخفض تبعا لما قبله ، ومثله (زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) (٣) ، وكذلك قوله : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) ، ولو رفعت ما بعد «لا» لكان صوابا ، والعرب تجعل الكريم
____________________________________
(١٣٩١) ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٢٩٦ والطبري ٣٣٣٩٤ و ٣٣٣٩٧ والبيهقي في «البعث» ٣٨٠ من حديث أنس ، وإسناده واه. فيه موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي ، وهما ضعيفان.
__________________
(١) ص : ٥٢.
(٢) الواقعة : ١٣.
(٣) النور : ٣٥.