شغلني عنها «يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنّواصي والأقدام».
قوله عزوجل : (هذِهِ جَهَنَّمُ) أي يقال لهم : هذه جهنّم (الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) يعني المشركين (يَطُوفُونَ بَيْنَها) وقرأ أبو العالية وأبو عمران الجوني : «يطوّفون» بياء مضمومة مع تشديد الواو ، وقرأ الأعمش مثله إلّا أنه بالتاء. قوله عزوجل (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) قال ابن قتيبة : الحميم : الماء الحارّ ، والآني : الذي قد انتهت شدّة حرّه. قال المفسّرون : المعنى أنهم يسعون بين عذاب الحميم وبين عذاب الجحيم ، إذا استغاثوا من النّار جعل غياثهم الحميم الشديد الحرارة.
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩) فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣))
قوله عزوجل : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) فيه قولان : أحدهما : قيامه بين يدي الله عزوجل يوم الجزاء. والثاني : قيام الله على عبده بإحصاء ما اكتسبه. وجاء في التفسير ، أنّ العبد يهمّ بمعصية فيتركها خوفا من الله عزوجل فله جنّتان ، وهما بستانان (ذَواتا أَفْنانٍ) فيه قولان : أحدهما : أنها الأغصان ، وهي جمع فنن ، وهو الغصن المستقيم طولا ، وهذا قول مجاهد ، وعكرمة ، وعطيّة ، والفرّاء ، والزّجّاج. والثاني : أنها الألوان والضّروب من كلّ شيء ، وهي جمع فنّ ، وهذا قول سعيد بن جبير. وقال الضّحّاك : ذواتا ألوان من الفاكهة. وجمع عطاء بين القولين ، فقال : في كلّ غصن فنون من الفاكهة.
قوله تعالى : (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) قال ابن عباس : تجريان بالماء الزّلال ، إحداهما : السّلسبيل ، والأخرى : التّسنيم. وقال عطيّة : إحداهما : من ماء غير آسن ، والأخرى : من خمر. وقال أبو بكر الورّاق : فيهما عينان تجريان لمن كانت له في الدنيا عينان تجريان من البكاء.
قوله عزوجل : (فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ) أي : صنفان ونوعان. قال المفسّرون : فيهما من كلّ ما يتفكّه به نوعان ، رطب ويابس ، لا يقصر أحدهما عن الآخر في فضله.
(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١))
(مُتَّكِئِينَ) هذا حال المذكورين (عَلى فُرُشٍ) جمع فراش (بَطائِنُها) جمع بطانة ، وهي التي تحت الظّهارة. وقال أبو هريرة : هذه البطائن ، فما ظنّكم بالظّهائر؟! وقال ابن عباس : إنما ترك وصف الظواهر ، لأنه ليس أحد يعلم ما هي. وقال قتادة : البطائن : هي الظواهر بلغة قوم. وكان الفرّاء يقول : قد تكون البطانة ظاهرة ، والظّهارة باطنة ، لأنّ كلّ واحد منهما قد يكون وجها ، والعرب تقول : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء ، لظاهرها ، وهو الذي تراه ، وقال ابن الزّبير يعيب قتلة عثمان : خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية ، فقتلهم الله كلّ قتلة ، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب. يعني هربوا ليلا ؛ فجعلوا ظهور الكواكب بطونا ، وذلك جائز في العربيّة. وأنكر هذا القول ابن قتيبة جدّا ، وقال :