رؤوسهم ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة. قال مقاتل : والمراد بالآية : كفّار الجنّ والإنس ، يرسل عليهما في الآخرة لهب النّار والصّفر الذّائب ، وهي خمسة أنهار تجري على رؤوس أهل النّار ، ثلاثة أنهار من تحت العرش على مقدار الليل ، ونهران على مقدار أنهار الدنيا ، (فَلا تَنْتَصِرانِ) أي : فلا تمتنعان من ذلك (١).
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))
قوله تعالى : (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أي : انفرجت من المجرّة لنزول من فيها يوم القيامة (فَكانَتْ وَرْدَةً) وفيها قولان : أحدهما : كلون الفرس الوردة ، قاله أبو صالح ، والضّحّاك. وقال الفرّاء : الفرس الوردة ، تكون في الرّبيع وردة إلى الصّفرة ، فإذا اشتدّ الحرّ كانت وردة حمراء ، فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة ، فشبّه تلوّن السماء بتلوّن الوردة من الخيل ؛ وكذلك قال الزّجّاج : «فكانت وردة» كلون فرس وردة ، والكميت : الورد يتلوّن ، فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصّيف ، ولونه في الصّيف خلاف لونه في الشتاء ، والسماء تتلوّن من الفزع الأكبر. وقال ابن قتيبة : المعنى : فكانت حمراء في لون الفرس الورد. والثاني : أنها وردة النّبات ؛ وقد تختلف ألوانها ، إلّا أنّ الأغلب عليها الحمرة ، ذكره الماوردي. وفي الدّهان قولان : أحدهما : أنه واحد ، وهو الأديم الأحمر ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه جمع دهن ، والدّهن تختلف ألوانه بخضرة وحمرة وصفرة ، حكاه اليزيديّ ، وإلى نحوه ذهب مجاهد ، وقال الفرّاء : شبّه تلوّن السماء بتلوّن الوردة من الخيل ، وشبّه الوردة في اختلاف ألوانها بالدّهن.
قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : لا يسألون ليعلم حالهم ، لأنّ الله تعالى أعلم منهم بذلك. والثاني : لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله لاشتغال كلّ واحد منهم بنفسه ، روي القولان عن ابن عباس. والثالث : لا يسألون عن ذنوبهم لأنهم يعرفون بسيماهم ، فالكافر أسود الوجه ، والمؤمن أغرّ الوجه محجّل من أثر وضوئه ، قاله الفرّاء. قال الزّجّاج : لا يسأل أحد عن ذنبه ليستفهم ، ولكنه يسأل سؤال توبيخ وتقريع.
قوله عزوجل : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) قال الحسن : بسواد الوجوه ، وزرق الأعين (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) فيه قولان : أحدهما : أنّ خزنة جهنّم تجمع بين نواصيهم إلى أقدامهم من وراء ظهورهم ثم يدفعونهم على وجوههم في النّار ، قاله مقاتل. والثاني : يؤخذ بالنّواصي والأقدام فيسحبون إلى النّار ، ذكره الثّعلبي. وروى مردويه الصّائغ ، قال : صلّى بنا الإمام صلاة الصّبح فقرأ سورة «الرّحمن» ومعنا عليّ بن الفضيل بن عياض ، فلمّا قرأ «يعرف المجرمون بسيماهم» خرّ عليّ مغشيّا عليه حتى فرغنا من الصلاة ، فلمّا كان بعد ذلك قلنا له : أما سمعت الإمام يقرأ «حور مقصورات في الخيام»؟ قال :
__________________
(١) هذا الخبر من مناكير مقاتل وأباطيله ، وإنما هو التحدي في الدنيا.