إنما أراد الله أن يعرّفنا ـ من حيث نفهم ـ فضل هذه الفرش وأنّ ما ولي الأرض منها إستبرق ، وإذا كانت البطانة كذلك ، فالظّهارة أعلى وأشرف. وهل يجوز لأحد أن يقول لوجه مصلّ : هذا بطانته ، ولما ولي الأرض منه : هذا بطانته؟! وإنما يجوز هذا في ذي الوجهين المتساويين ، تقول لما وليك من الحائط : هذا ظهر الحائط ، ويقول جارك لما وليه : هذا ظهر الحائط ، وكذلك السماء ما ولينا منها : ظهر ، وهي لمن فوقها : بطن. وقد ذكرنا الإستبرق في سورة الكهف (١).
قوله عزوجل : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) قال أبو عبيدة : أي : ما يجتنى قريب لا يعنّي الجاني.
قوله عزوجل (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ) قد شرحناه في الصّافّات (٢). وفي قوله : «فيهنّ» قولان : أحدهما : أنها تعود إلى الجنّتين وغيرهما ممّا أعدّ لصاحب هذه القصّة ، قاله الزّجّاج. والثاني : أنها تعود إلى الفرش ، ذكره عليّ بن أحمد النّيسابوري.
قوله عزوجل : (لَمْ يَطْمِثْهُنَ) قرأ الكسائيّ بضمّ الميم ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان : يطمث ويطمث ، مثل يعكف ويعكف. وفي معناه قولان : أحدهما : لم يفتضّهنّ ؛ والطّمث : النّكاح بالتّدمية ، ومنه قيل للحائض : طامث ، قاله الفرّاء. والثاني : لم يمسسهنّ ؛ يقال : ما طمث هذا البعير حبل قط ، أي : ما مسّه ، قاله أبو عبيدة. قال مقاتل : وذلك لأنهنّ خلقن من الجنّة ؛ فعلى قوله ، هذا صفة الحور. وقال الشّعبي : هنّ من نساء الدنيا لم يمسسهنّ مذ أنشئن خلق. وفي الآية دليل على أنّ الجنّيّ يغشى المرأة كالإنسيّ.
قوله عزوجل : (كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ) قال قتادة : هنّ في صفاء الياقوت وبياض المرجان. وذكر الزّجّاج أنّ أهل التفسير وأهل اللغة قالوا : هنّ في صفاء الياقوت وبياض المرجان ، والمرجان : صغار اللؤلؤ ، وهو أشدّ بياضا. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال : «الياقوت» فارسيّ معرّب ، والجمع «اليواقيت» ، وقد تكلّمت به العرب ، قال مالك بن نويرة اليربوعيّ :
لن يذهب اللّؤم تاج قد حبيت به |
|
من الزّبرجد والياقوت والذّهب |
قوله عزوجل : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) قال الزّجّاج ، أي : ما جزاء من أحسن في الدنيا إلّا أن يحسن إليه في الآخرة. وقال ابن عباس : هل جزاء من قال : «لا إله إلّا الله» وعمل بما جاء به محمّد صلىاللهعليهوسلم إلّا الجنّة. وروى أنس بن مالك قال :
(١٣٨٥) قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية ، وقال : «هل تدرون ما قال ربّكم»؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنّ ربّكم يقول : هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلّا الجنّة»؟!
____________________________________
(١٣٨٥) ضعيف. أخرجه البغوي ٢٠٩٤ من حديث أنس ، وفي إسناده بشر بن الحسين ، وهو منكر الحديث كما قال البخاري وغيره ، لكن له شاهد أمثل منه إسنادا. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢٢٧ من طريق إسحاق بن إبراهيم بن بهرام بهذا الإسناد. وأخرجه أبو نعيم في «تاريخ أصفهان» ١ / ٢٣٣ من طريق الحجاج بن يوسف به. وله شاهد من حديث ابن عمر ، أخرجه البيهقي في «الشعب» ٤٢٧ وإسناده ضعيف لضعف إبراهيم بن محمد الكوفي ، وبه أعلّه البيهقي حيث قال عنه : منكر.
__________________
(١) الكهف : ٣١.
(٢) الصافات : ٤٨.