وكذلك قال مجاهد : هو ورق الزّرع. قال ابن قتيبة : العصف : ورق الزّرع ، ثم يصير إذا جفّ ويبس وديس تبنا. والثاني : أنّ العصف : المأكول من الحبّ ، حكاه الفرّاء.
وفي «الرّيحان» أربعة أقوال : أحدها : أنه الورق ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والسّدّيّ. قال الفرّاء : الرّيحان في كلام العرب : الرّزق ، يقولون : خرجنا طلب ريحان الله ، وأنشد الزّجّاج للنّمر بن تولب :
سلام الإله وريحانه |
|
ورحمته وسماء درر |
والثاني : خضرة الزّرع ، رواه الوالبي عن ابن عباس. قال أبو سليمان الدّمشقي : فعلى هذا سمّي ريحانا ، لاستراحة النّفس بالنّظر إليه. والثالث : أنه ريحانكم هذا الذي يشمّ ، روى العوفيّ عن ابن عباس قال : «الرّيحان» : ما أنبتت الأرض من الرّيحان ، وهذا مذهب الحسن والضّحّاك وابن زيد. والرابع : أنه ما لم يؤكل من الحبّ ، والعصف : المأكول منه ، حكاه الفراء.
قوله عزوجل : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) فإن قيل : كيف خاطب اثنين ، وإنما ذكر الإنسان وحده؟ فعنه جوابان ذكرهما الفرّاء : أحدهما : أنّ العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بيّنّا في قوله : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) (١). والثاني : أنّ الذّكر أريد به : الإنسان والجانّ ، فجرى مجرى الخطاب لهما من أوّل السّورة إلى آخرها. قال الزّجّاج : لمّا ذكر الله تعالى في هذه السّورة ما يدلّ على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليم البيان وخلق الشمس والقمر والسماء والأرض ، خاطب الجنّ والإنس ، فقال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) أي : فبأيّ نعم ربّكما تكذّبان من هذه الأشياء المذكورة ، لأنها كلّها منعم بها عليكم في دلالتها إيّاكم على وحدانيّته وفي رزقه إيّاكم ما به قوامكم. وقال ابن قتيبة : الآلاء : النّعم ، واحدها : ألا ، مثل : قفا ، وإلا ، مثل : معى.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥))
قوله عزوجل : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) يعني آدم (مِنْ صَلْصالٍ) قد ذكرنا في الحجر (٢) الصلصال والجانّ. فأمّا قوله : (كَالْفَخَّارِ) فقال أبو عبيدة : خلق من طين يابس لم يطبخ ، فله صوت إذا نقر ، فهو من يابسه كالفخّار. والفخّار : ما طبخ بالنّار. وأمّا المارج ، فقال ابن عباس : هو لسان النّار الذي يكون في طرفها إذا التهبت. وقال مجاهد : هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النّار إذا أوقدت. وقال مقاتل : هو لهب النار الصافي من غير دخان. وقال أبو عبيدة : المارج : خلط من النّار. وقال ابن قتيبة : المارج : لهب النّار ، من قولك : قد مرج الشيء : إذا اضطرب ولم يستقرّ. وقال الزّجّاج : هو اللهب المختلط بسواد النّار. وإن قيل ؛ قد أخبر الله تعالى عن
__________________
(١) ق : ٢٤.
(٢) الحجر : ٢٦ ـ ٢٧.