خلق آدم عليهالسلام بألفاظ مختلفة ، فتارة يقول : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) (١) ، وتارة : «من صلصال» ، وتارة : «من طين لازب» (٢) ، وتارة : «كالفخّار» ، وتارة : «من حمأ مسنون» (٣) ؛ فالجواب : أنّ الأصل التراب فجعل طينا ، ثم صار كالحمإ المسنون ، ثم صار صلصالا كالفخّار ، فهذه أخبار عن حالات أصله. فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : «فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان» الجواب أنّ ذلك التكرير لتقرير النّعم وتأكيد التذكير بها. قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ؛ لأنّ افتنان المتكلّم والخطيب في الفنون أحسن من اختصاره في المقام على فنّ واحد ، يقول القائل : والله لا أفعله ، ثم والله لا أفعله ، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع من أن يفعله ، كما تقول : والله أفعله ، بإضمار «لا» إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل للمستعجل : اعجل اعجل ، وللرامي : ارم ارم ، قال الشاعر :
كم نعمة كانت له وكم وكم
وقال الآخر :
هلّا سألت جموع كندة |
|
يوم ولوا أين أينا (٤) |
وربّما جاءت الصّفة فأرادوا توكيدها ، واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحدة ، فغيّروا منها حرفا ثم أتبعوها الأولى ، كقولهم ، عطشان نطشان ، وشيطان ليطأن ، وحسن بسن. قال ابن دريد : ومن الإتباع : جائع نائع ، ومليح قريح ، وقبيح شقيح ، وشحيح نحيح ، وخبيث نبيث ، وكثير نثير ، وسيّغ ليّغ ، وسائغ لائغ ، وحقير نقير ، وضئيل بئيل ، وخضر مضر ، وعقريب نقريب ، وثقة نقة ، وكنّ إنّ ، وواحد فاحد ، وحائر بائر ، وسمج لمج. قال ابن قتيبة : فلمّا عدّد الله تعالى في هذه السّورة نعماءه ، وأذكر عباده آلاءه ، ونبّههم على قدرته ، جعل كلّ كلمة من ذلك فاصلة بين كلّ نعمتين ، ليفهّمهم النّعم ويقرّرهم بها ، كقولك للرجل : ألم أبوّئك منزلا وكنت طريدا؟ أفتنكر هذا؟ ألم أحجّ بك وأنت صرورة؟ أفتنكر هذا؟.
(١٣٨٢) وروى الحاكم أبو عبد الله في «صحيحه» من حديث جابر بن عبد الله قال : قرأ علينا
____________________________________
(١٣٨٢) ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٢٩١ والحاكم ٣٧٦٦ من طريق عبد الرحمن بن واقد عن الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر به. وإسناده واه ، زهير منكر الحديث في رواية أهل الشام عنه ، وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم ٣٧٦٦ وابن عدي ٣ / ٢١٩ وأبو الشيخ في «العظمة» ١١٢٣ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ٢١٩ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٣٢ من طريق هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم بالإسناد السابق. وأخرجه البيهقي ٢ / ٢٣٢ من طريق مروان بن محمد قال : حدثنا زهير بن محمد به. قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد. قال ابن حنبل : كأن زهير بن محمد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه بالعراق كأنه رجل آخر قلبوا اسمه.
يعني لما يروون عنه من المناكير. وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير ، وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة اه. وله شاهد من حديث ابن عمر : أخرجه البزار
__________________
(١) آل عمران : ٥٩.
(٢) الصافات : ١١.
(٣) الحجر : ٢٩.
(٤) البيت للشاعر عبيد بن الأبرص ديوانه : ص ١٤٢ والشعر والشعراء : ١ / ٢٢٤.