(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) في سبب نزولها قولان :
(١٣٧٦) أحدهما : أنّ مشركي مكّة جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخاصمون في القدر ، فنزلت هذه الآية إلى قوله : (خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، انفرد بإخراجه مسلم من حديث أبي هريرة.
(١٣٧٧) وروى أبو أمامة أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ هذه الآية نزلت في القدريّة».
(١٣٧٨) والثاني : أنّ أسقف نجران جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمّد تزعم أنّ المعاصي بقدر ، وليس كذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنتم خصماء الله» ، فنزلت : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) إلى قوله : (بِقَدَرٍ) ، قاله عطاء.
قوله تعالى : (وَسُعُرٍ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : الجنون. والثاني : العناء ، وقد ذكرناهما في صدر السّورة. والثالث : أنه نار تستعر عليهم ، قاله الضّحّاك. فأمّا (سَقَرَ) فقال الزّجّاج : هي اسم من أسماء جهنّم لا ينصرف لأنها معرفة ، وهي مؤنّثة. وقرأت على شيخنا أبي منصور قال : سقر : اسم لنار الآخرة أعجميّ ، ويقال : بل هو عربيّ ، من قولهم : سقرته الشمس : إذا أذابته ، سمّيت بذلك لأنها تذيب الأجسام. وروى عمر بن الخطّاب رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
(١٣٧٩) «إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أمر مناديا فنادى نداء يسمعه الأوّلون والآخرون : أين خصماء الله؟ فتقوم القدريّة ، فيؤمر بهم إلى النّار ، يقول الله تعالى : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ).
وإنما قيل لهم : «خصماء الله» لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدّر المعصية على العبد ثم يعذّبه عليها. وروى هشام بن حسّان عن الحسن قال : والله لو أنّ قدريّا صام حتى يصير كالحبل ، ثم صلّى حتى يصير كالوتر ، ثم أخذ ظلما وزورا حتى ذبح بين الرّكن والمقام لكبّه الله على وجهه في سقر
____________________________________
(١٣٧٦) صحيح. أخرجه مسلم ٢٦٥٦ والترمذي ٢١٥٧ و ٣٢٩٠ وابن ماجة ٨٣ والطبري ٣٢٨٣٤ والبغوي في «شرح السنة» ٨٠ من طرق عن سفيان الثوري من حديث أبي هريرة. وأخرجه الطبري ٣٢٨٣٣ والواحدي في «الأسباب» ٧٧٥ من طريقين عن سفيان الثوري به.
(١٣٧٧) ضعيف جدا ، أخرجه الواحدي في «الأسباب» ٧٧٦ من حديث أبي أمامة ، وإسناده ضعيف جدا ، لأجل عفير بن معدان ، فإنه متروك.
(١٣٧٨) باطل ، أخرجه الواحدي ٧٧٧ في «أسبابه» عن بحر السقاء عن شيخ من قريش عن عطاء مرسلا ، وهو ضعيف جدا. بحر السقاء واه ، وفيه شيخ لم يسمّ ، وهو مرسل أيضا والمتن باطل ، فالسورة مكية بإجماع ، وأخبار اليهود والنصارى وسؤالاتهم مدنية.
(١٣٧٩) لم أقف عليه ، وأمارة الوضع لائحة عليه. وورد مختصرا من حديث عمر دون ذكر الآية ، أخرجه ابن الجوزي في «العلل» ٢١٩ وفيه عنعنة بقية بن الوليد ، فهذه علة وفي الإسناد من لم يسمّ.