(١٢٣٠) وقال ابن عمر : نزلت هذه الآية وما ندري ما تفسيرها ، وما نرى أنها نزلت إلّا فينا وفي أهل الكتابين ، حتى قتل عثمان ، فعرفت أنها فينا نزلت. وفي لفظ آخر : حتى وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٥))
قوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ) بأن دعا له ولدا وشريكا (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) وهو التوحيد والقرآن (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) أي : مقام للجاحدين؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير ؛ يعني : إنه كذلك.
قوله تعالى : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) فيه أربعة أقوال (١) : أحدها : أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قاله عليّ بن أبي طالب ، وابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد. ثم في الصّدق الذي جاء به قولان : أحدهما : أنه «لا إله إلّا الله» ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال سعيد ابن جبير. والثاني : القرآن ، قاله قتادة. وفي الذي صدّق به ثلاثة أقوال : أحدها : أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيضا ، هو جاء بالصّدق ، وهو صدّق به ، قاله ابن عباس ، والشّعبي. والثاني : أنه أبو بكر ، قاله عليّ بن أبي طالب. والثالث : أنهم المؤمنون ، قاله قتادة ، والضّحّاك ، وابن زيد.
والقول الثاني : أن الذي جاء بالصّدق : أهل القرآن ، وهو الصّدق الذي يجيبون به يوم القيامة ، وقد أدّوا حقّه ، فهم الذين صدّقوا به ، قاله مجاهد. والثالث : أنّ الذي جاء بالصّدق الأنبياء ، قاله الرّبيع ، فعلى هذا ، يكون الذي صدّق به : المؤمنون. والرابع : أنّ الذي جاء بالصّدق : جبريل ، وصدّق به : محمّد ، قاله السّدّيّ.
قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) أي : الذين اتّقوا الشّرك ؛ وإنما قيل : «هم» ، لأنّ معنى «الذي» معنى الجمع ، كذلك قال اللغويون ، وأنشد أبو عبيدة ، والزّجّاج :
____________________________________
(١٢٣٠) حسن ، أخرجه النسائي في «التفسير» ٤٦٧ والطبري ٣٠١٣٩ كلاهما عن ابن عمر ، وإسناده حسن ، رجاله ثقات معروفون ، ويشهد له خبر عن أبي سعيد الخدري مثله. عزاه الشوكاني في «فتح القدير» ٤ / ٥٣٢ لسعيد بن منصور ، وعزاه ابن حجر في «تخريجه» ٤ / ٢٧ للثعلبي.
__________________
(١) قال الطبري في «تفسيره» ١١ / ٥ : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره عنى بقوله (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) كل من دعا إلى توحيد الله ، وتصديق رسله ، والعمل بما ابتعث به رسوله صلىاللهعليهوسلم من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به ، وأن يقال الصدق : هو القرآن ، وشهادة أن لا إله إلا الله ، والمصدّق به : المؤمنون بالقرآن ، من جميع خلق الله كائنا من كان من نبيّ الله وأتباعه. ووافقه ابن كثير. وقال ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ٦٥ : وهذا القول الذي قاله مجاهد يشمل كل المؤمنين ، فإن المؤمن يقول الحقّ ويعمل به ، والرسول صلىاللهعليهوسلم أولى الناس بالدخول في هذه الآية على هذا التفسير فإنه جاء بالصدق وصدق المرسلين وآمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.