الله صلىاللهعليهوسلم إلّا كأخي السّرار ، فأنزل الله في أبي بكر : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ).
والغضّ : النّقص كما بيّنّا عند قوله : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) (١). (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) قال ابن عباس : أخلصها (لِلتَّقْوى) من المعصية. وقال الزّجّاج : اختبر قلوبهم فوجدهم مخلصين ، كما تقول : قد امتحنت هذا الذّهب والفضّة ، أي : اختبرتهما بأن أذبتهما حتى خلصا ، فعلمت حقيقة كلّ واحد منهما. وقال ابن جرير : اختبرها بامتحانه إيّاها ، فاصطفاها وأخلصها للتّقوى.
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(١٣١١) أحدها : أنّ بني تميم جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنادوا على الباب : يا محمّد اخرج إلينا ، فإنّ مدحنا زين وإنّ ذمّنا شين ، فخرج وهو يقول : «إنما ذلكم الله» فقالوا : نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك ، فقال : «ما بالشّعر بعثت ولا بالفخار أمرت ، ولكن هاتوا» ، فقال الزّبرقان بن بدر لشابّ منهم : قم فاذكر فضلك وفضل قومك ، فقام فذكر ذلك ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثابت بن قيس ، فأجابه ، وقام شاعرهم ، فأجابه حسّان ، فقال الأقرع بن حابس : والله ما أدري ما هذا الأمر؟! تكلّم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلّم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر ، ثم دنا فأسلم ، فأعطاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكساهم ، وارتفعت الأصوات وكثر اللّغط عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول جابر بن عبد الله في آخرين.
(١٣١٢) وقال ابن إسحاق : نزلت في جفاة بني تميم ، وكان فيهم الأقرع بن حابس ، وعيينة بن
____________________________________
متروك ، وبه أعله ابن عدي ، وأما الحاكم فقد صححه! وتعقبه الذهبي فقال : حصين بن عمر واه.
وورد من حديث أبي هريرة ، أخرجه الحاكم ٢ / ٤٦٢ وقال : على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي ، وقد ذهب ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٢٤٢ إلى أن هذا الحديث يتأيد بشواهده والله أعلم.
(١٣١١) أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٧٥٩ من حديث جابر مطوّلا وفيه معلى بن عبد الرحمن ضعيف.
وهذا الخبر أخرجه ابن سعد في «الطبقات ١ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ من طريق الواقدي عن محمد بن عبد الله عن الزهري ، وعن عبد الله بن يزيد عن سعيد بن عمرو مرسلا بنحوه ، والواقدي متروك. وأخرجه ابن إسحاق وابن مردويه كما في «الدر» ٦ / ٩٠ من حديث ابن عباس بنحوه. وصدر الحديث ورد مسندا عند الترمذي ٣٢٦٧ والنسائي في «التفسير» ٥٣٥ والطبري ٣١٦٧٦ من طريق الحسين بن واقد عن أبي إسحاق عن البراء :
«(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) فقال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن حمدي زين ، وإن ذمي شين فقال : ذاك الله تبارك وتعالى». قال الترمذي : حديث حسن غريب. وقال ابن كثير في «السيرة» بعد أن ذكر هذا الحديث ٤ / ٨٦ : وهذا إسناد جيد متصل. وله شاهد من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن الأقرع بن حابس. أخرجه أحمد ٣ / ٤٨٨ و ٦ / ٣٩٣ و ٣٩٤ والطبري ٣١٦٧٩ والطبراني ٨٧٨. وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٠٨ : وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح ، إن كان أبو سلمة سمع من الأقرع ، وإلا فهو مرسل. وأخرجه الطبري ٣١٦٨١ عن قتادة مرسلا و ٣١٦٨٤ عن الحسن مرسلا.
(١٣١٢) عزاه المصنف لابن إسحاق ، وهذا معضل انظر «الدرّ» ٦ / ٩٠.
__________________
(١) النور : ٣٠.