الله صلىاللهعليهوسلم أو يفعل. قال ابن قتيبة : يقال فلان يقدّم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه ، أي : يعجّل بالأمر والنّهي دونه. فأمّا «تقدّموا» فقرأ ابن مسعود ، وأبو هريرة ، وأبو رزين ، وعائشة ، وأبو عبد الرّحمن السّلمي ، وعكرمة ، والضّحّاك وابن سيرين ، وقتادة ، وابن يعمر ، ويعقوب : بفتح التاء والدال ؛ وقرأ الباقون : بضمّ التاء وكسر الدال. قال الفرّاء : كلاهما صواب ، يقال : قدّمت ، وتقدّمت ؛ وقال الزّجّاج : كلاهما واحد ؛ فأمّا «بين يدي الله ورسوله» فهو عبارة عن الأمام ، لأنّ ما بين يدي الإنسان أمامه ؛ فالمعنى : لا تقدّموا قدّام الأمير.
قوله تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) في سبب نزولها قولان :
(١٣٠٨) أحدهما : أنّ أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما فيما ذكرناه آنفا في حديث ابن الزّبير ، وهذا قول ابن أبي مليكة.
(١٣٠٩) والثاني : أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمّاس ، وكان جهوريّ الصّوت ، فربما كان إذا تكلّم تأذّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصوته. قاله مقاتل.
قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) فيه قولان. أحدهما : أن الجهر بالصّوت في المخاطبة ، قاله الأكثرون. والثاني : لا تدعوه باسمه يا محمد كما يدعو بعضكم بعضا ولكن قولوا : يا رسول الله ، ويا نبيّ الله ، وهو معنى قول سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل. قوله تعالى : (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) قال ابن قتيبة : لئلا تحبط. وقال الأخفش : مخافة أن تحبط ، قال أبو سليمان الدمشقي : وقد قيل معنى الإحباط هاهنا : نقص المنزلة ، لا إسقاط العمل من أصله كما يسقط بالكفر. قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ).
(١٣١٠) قال ابن عباس : لمّا نزل قوله : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) تألّى أبو بكر أن لا يكلّم رسول
____________________________________
(١٣٠٨) انظر الحديث المتقدم ١٣٠٤.
(١٣٠٩) غريب. قال الحافظ في «تخريجه» ٤ / ٣٥٣ : لم أجده اه. قلت : ويغني عنه حديث أنس. أخرجه البخاري ٣٦١٣ و ٤٨٤٦ ومسلم ١٨٨ والنسائي في «التفسير» ٥٣٣ والواحدي في «أسبابه» ٧٥٣ والبغوي في «التفسير» ٤ / ٨٩. وله شواهد كثيرة راجع الطبري ٣١٦٦٩ ـ ٣١٦٧٩ ـ ٣١٧١. ولفظ البخاري في الرواية الأولى عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم افتقد ثابت بن قيس ، فقال رجل يا رسول الله أنا أعلم لك علمه.
فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه ، فقال : «ما شأنك» فقال : شر ، كان يرفع صوته فوق صوت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقد حبط عمله وهو من أهل النار. فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا فقال موسى بن أنس فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة ، فقال : اذهب إليه فقل له : «إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة».
(١٣١٠) ذكره الواحدي في «الأسباب» ٧٥٥ بدون إسناد عن ابن عباس. وأخرجه البزار ٢٢٥٧ «كشف» وابن عدي ٢ / ٣٩٦ والحاكم ٣ / ٧٤ من حديث أبي بكر ، وإسناده ضعيف لضعف حصين بن عمر الأحمسي ، فإنه
__________________
حقّها في النظام وحسن الترتيب. ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز ، لأنه معفو عنه في الشرع ، بخلاف الكثير. وما قاله أشهب أصح ، فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح ، ولكنه لمعان تختص باليسير دون الكثير ، فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر والشهر كالسنة ، فإما تقديم كلي كما قال أبو حنيفة والشافعي ، وإما حفظ العبادة وقصرها على ميقاتها كما قال أشهب وغيره ، وذلك يقوى في النظر ، والله أعلم.