الإشارة إلى قصّة الحديبية
(١٢٧٦) روت عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأى في النّوم كأنّ قائلا يقول له : لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ، فأصبح فحدّث الناس برؤياه ، وأمرهم بالخروج للعمرة ؛ فذكر أهل العلم بالسّير أنّه خرج واستنفر أصحابه للعمرة ، وذلك في سنة ست ، ولم يخرج بسلاح إلّا السيوف في القرب (١).
(١٢٧٧) وساق هو وأصحابه البدن ، فصلّى الظّهر ب «ذي الحليفة» ، ثم دعا بالبدن فجلّلت ، ثم أشعرها وقلّدها ، وفعل ذلك أصحابه ، وأحرم ولبّى ، فبلغ المشركين خروجه ، فأجمع رأيهم على صدّه عن المسجد الحرام ، وخرجوا حتى عسكروا ب «بلدح» ، وقدّموا مائتي فارس إلى كراع الغميم (٢) ، وسار رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى دنا من الحديبية ؛ قال الزّجّاج : وهي بئر ، فسمّي المكان باسم البئر ؛ قالوا : وبينها وبين مكّة تسعة أميال ، فوقفت يدا راحلته ، فقال المسلمون : حل حل (٣) ، يزجرونها ، فأبت ، فقالوا : خلأت القصواء ـ والخلاء في النّاقة مثل الحران في الفرس ـ فقال : «ما خلأت ، ولكن حبسها حابس الفيل ، أما والله لا يسألوني خطّة فيها تعظيم حرمة الله إلّا أعطيتهم إيّاها» ، ثم جرّها فقامت ، فولّى راجعا عوده على بدئه حتى نزل على ثمد (٤) من أثماد الحديبية قليل الماء ، فانتزع سهما من كنانته فغرزه فيها ، فجاشت لهم بالرّواء ، وجاءه بديل بن ورقاء في ركب فسلّموا وقالوا : جئناك من عند قومك وقد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم ، يقسمون ، لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تبيد خضراءهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم نأت لقتال أحد إنما جئنا لنطوف بهذا البيت ، فمن صدّنا عنه قاتلناه». فرجع بديل فأخبر قريشا ، فبعثوا عروة بن مسعود ، فكلّمه بنحو ذلك ، فأخبر قريشا ، فقالوا : نردّه من عامنا هذا ، ويرجع من قابل فيدخل مكّة ويطوف بالبيت ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عثمان بن عفّان ، قال : «اذهب إلى قريش فأخبرهم أنّا لم نأت لقتال أحد ، وإنما جئنا زوّارا لهذا البيت ، معنا الهدي ننحره وننصرف ، فأتاهم فأخبرهم ، فقالوا : لا كان هذا أبدا ، ولا يدخلها العام ، وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ عثمان قد قتل ، فقال : «لا نبرح حتى نناجزهم» (٥) ، فذاك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرّضوان ، فبايعهم تحت
____________________________________
(١٢٧٦) لم أره عن عائشة ، وهو غريب هكذا ، وقد نبه الحافظ على ذلك في تخريج «الكشاف» ٤ / ٣٤٥ ، وقد ورد منجما وبمعناه عند الطبري ٣١٦٠١ و ٣١٦٠٢ و ٣١٦٠٣ و ٣١٦٠٤ وعامة هذه الروايات مراسيل.
(١٢٧٧) خبر الحديبية. صحيح. أخرجه البخاري ٢٧٣١ و ٢٧٣٢ و ٤١٧٨ و ٤١٧٩ وأبو داود ٢٧٦٥ مختصرا وأحمد ٤ / ٣٢٨ والطبري ٣١٥٦٦ وابن حبان ٤٨٧٢ والبيهقي في «دلائل النبوة» ٤ / ٩٩ ـ ١٠٨.
__________________
(١) أخرجه الطبري ٣١٤٨٤ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ١٦٥ عن مجاهد مرسلا بنحوه.
(٢) كراع الغميم : موضع بين مكة والمدينة.
(٣) حل حل : كلمة تقال للناقة إذا توقفت عن السير.
(٤) في «اللسان» : الثّمد : قال أبو مالك : أن يعمد إلى موضع يلزم ماء السماء يجعله صنعا وهو المكان يجتمع فيه الماء ، وله مسايل من الماء ، ويحفر في نواحيه ركايا فيملأها من ذلك الماء فيشرب الناس الماء الظاهر حتى يجف ، وتبقى تلك الركايا ، وهي الثماد. والثمد : الماء القليل الذي لا مادّتها له.
(٥) ورد هذا القول «فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا نبرح حتى ...» عند الطبري ٣١٥١٦ عن ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر.