سورة الفتح
وهي مدنيّة كلّها بإجماعهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))
قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) الآية.
(١٢٧٥) سبب نزولها أنه لمّا نزل قوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) (١) ، قال اليهود : كيف نتّبع رجلا لا يدري ما يفعل به؟! فاشتدّ ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس. وفي المراد بالفتح أربعة أقوال (٢).
أحدها : أنه كان يوم الحديبية ، قاله الأكثرون. قال البراء بن عازب : نحن نعدّ الفتح بيعة الرّضوان. وقال الشّعبي : هو فتح الحديبية ، غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وأطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهدي محلّه ، وظهرت الرّوم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس. قال الزّهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم ، وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام ، قال مجاهد : يعني بالفتح ما قضى الله له من نحر الهدي بالحديبية وحلق رأسه. وقال ابن قتيبة : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً) أي : قضينا لك قضاء عظيما ، ويقال للقاضي : الفتّاح. قال الفرّاء : والفتح قد يكون صلحا ، ويكون أخذ الشيء عنوة ، ويكون بالقتال. وقال غيره : معنى الفتح في اللغة : فتح المنغلق ، والصّلح الذي جعل مع المشركين بالحديبية كان مسدودا متعذّرا حتى فتحه الله تعالى.
____________________________________
(١٢٧٥) ذكره الواحدي ٧٤٨ في «أسباب النزول» قاله عطاء عن ابن عباس بدون إسناد ، فهو لا شيء لخلوه عن الإسناد ، والمتن باطل ، فإن الآية المذكورة في الخبر مكية ، عند الجمهور وسورة الفتح مدينة.
__________________
(١) الأحقاف : ٩.
(٢) قال ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ٢١٥ : فقوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) أي : بينا ظاهرا والمراد به صلح الحديبية ، فإنه حصل بسببه حيز جزيل ، وأمن الناس واجتمع بعضهم ببعض ، وتكلّم المؤمن مع الكافر ، وانتشر العلم النافع والإيمان. وهذا اختيار الطبري والشوكاني وغيرهما من المفسرين.