وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) (٣١ : المطففين)
وقوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي أن هذا الضالّ ظن أن لن يرجع إلى الله ، وأن يبعث بعد الموت ، ويحاسب على ما كان منه ..
وحار : يحور : أي رجع إلى المكان الذي بدأ منه مسيرته ، فى حركة دائرية تصحبه فيها الحيرة والقلق ، والاضطراب .. وهكذا مسيرة الإنسان فى الحياة ، بتحرك فيها على طريق دائرى ، ينتهى من حيث بدأ ويبدأ من حيث انتهى.
وقوله تعالى :
(بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً)
هو جواب بالإيجاب لما بعد النفي .. أي بلى ليحورنّ ، ويرجعنّ إلى الله ، الذي هو بصير بعباده ، يعلم ما يصلحون له ، وما يصلح لهم ..
وهذه الحياة الأخرى ، هى امتداد لحياة الإنسان الأولى على هذه الأرض .. والحياة على أية صورة نعمة من نعم الله ، وهى على ما تكون عليه ، خير من العدم .. ولو كانت الحياة الدنيا هى غاية حياة الإنسان ، ثم عاد بعدها إلى العدم لكان شأنه فى هذا شأن أحط الحيوانات ، من ديدان وحشرات .. وإرادة الله سبحانه وتعالى فى الإنسان أنه مخلوق مكرم مفضل على كثير من المخلوقات .. ومن مقتضى هذا التفضيل والتكريم أن تمتد حياته ، وأن يتصل وجوده ، وأن ينقل من عالم الأرض إلى عالم السماء! ولعل هذا هو بعض السر فى إضافة هذا الإنسان ـ على ضلاله ـ إلى ربه .. (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) .. فليتحمل الإنسان الضالّ ، هذه النار فى سبيل الحياة ، وليتطهر من أدرانه بها .. فتلك هى ضريبة الحياة ، وإن كانت فادحة على أهل الكفر والضلال ، كما كانت الحياة الدنيا ثقيلة على أهل العدل والإحسان ..