ثم ينقلب من هذا الحساب ـ وقد برئت ساحته ـ يزف إلى أهله من إخوانه المؤمنين بشرى نجاته وسلامته ، وقد غمره السرور ، وفاض عليه البشر ؛ فلا يملك إلا أن يهتف بكل من يلقاه من أهل المحشر : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) (١٩ : الحاقة)
قوله تعالى :
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً ، وَيَصْلى سَعِيراً ، إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً* إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ)
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) إشارة إلى أن المجرم حين رأى هذا الكتاب وما طلع به عليه من نذر الشؤم والبلاء ـ فرّ منه؟ وطرح يديه وراء ظهره بعيدا عنه ، حتى لا يمسه ، ولكن أنّى له أن يهرب منه ، إنه لا بد أن يأخذه ، فإن لم يمد يده هو إلى أخذه ، لحق الكتاب به ، وتعلق بشماله حيث بلغت مداها من الارتداد وراء ظهره.
وفى هذه الصورة ما يكشف عن حركات النفس ، وما يتبعها من حركات ترتسم على الجوارح ..!
وقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) أي أن من أوتى كتابه بهذا الأسلوب ، من وراء ظهره ، فسوف يصرخ صرخات الثبور ، ويولول ولولات الهلاك ، نادبا نفسه ، ناعيا مصيره .. وكيف لا يكون منه هذا والنار قد فتحت أبوابها له.
وقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) إشارة إلى ما كان عليه هذا الضال فى الدنيا من غرور بنفسه ، وإعجاب بحاله ، وبما يسوقه إلى المؤمنين من كيد ..