أفسد نظامه كله ، وامتد ظله الأسود الكئيب على حياة المجتمع ، مادياتها ومعنوياتها جميعا .. وحسب أي جماعة ضياعا وهلاكا ، أن تفقد الثقة فى معاملاتها ، وأن يكون الاتهام نقدا متبادلا بين أفرادها ، أخذا ، وإعطاء ..
ونتصور هنا جماعة قد شاع فى معاملاتها النقد الزائف ، واختلط بالنقد الصحيح .. فهل يجتمع لهذه الجماعة شمل ، أو يستتب فيها نظام ، أو تغشاها سكينة واطمئنان؟ ..
إن حياة الناس قائمة على التبادل ، والأخذ والعطاء ، فإذا لم يقم ذلك بينهم على ثقة متبادلة بينهم كما يتبادلون كل شىء ، انحلّ عقد نظامهم ، وتقطعت عرا أوثق رابطة تربط بين الناس والناس ، وتجمع بعضهم إلى بعض وهى الثقة.
وفى القرآن الكريم ، إشارة صريحة إلى خطورة التبادل ، القائم بين الناس ـ أخذا وعطاء ، والذي إذا لم يقم على أساس متين من العدل والإحسان ، أتى على كل صالحة فى حياة الناس .. وهذا ما نراه فى دعوة نبى الله شعيب ـ عليهالسلام ـ ورسالته فى قومه ..
إنها رسالة ، تعالج هذا الداء الذي استشرى فى القوم وتطبّ له قبل أي داء آخر ، بعد داء الكفر .. فإنه لا يقوم بناء ، ولا يستنبت خير ، إلا إذا اقتلع هذا الداء ، وطهرت منه الأرض التي يراد استصلاحها ، وغرص البذور الطيبة فيها ..
يقول الله سبحانه وتعالى على لسان شعيب إلى قومه : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ .. إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ .. وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) (٨٤ : هود) ويقول سبحانه على لسانه أيضا : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ* وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ